الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتبيين **
قال بعد أن حَمِد اللَّه وأثنى على نبيّه: يا معشر الأزد وربيعة أنتم إخوانُنا في الدّين وشركاؤنا في الصِّهر وأشِقَّاؤنا في النّسب وجيرانُنا في الدّار ويدُنا على العدُوّ واللَّه لأَزْدُ البصرة أحبُّ إلينا من تميم الكوفة ولأَزْد الكوفة أحبُّ إلينا من تميم الشام فإن استَشْرَى شنآنُكم وأبَى حَسَكُ صُدُوركم ففي أموالنا وسعة أحلامنا لنا ولكم سعَة ومن محاربْ: جامعٌ وكان شيخاً صالحاً خطيباً لَسِناً وهو الذي قال للحجاج حين بَنَى مدينةَ واسط: بنيتَها في غير بلدك وأورثْتَها غيرَ ولدِك وكذلك مَنْ قَطَعَه العُجْب عن الاستشارة والاستبدادُ عن الاستخارة وشكا الحجاجُ سُوءَ طاعةِ أهل العراق وتَنقُّمَ مذهبَهم وتسخُّطَ طريقتَهم فقال جامع: أمَا إنّهم لو أحبُّوك لأطاعوك على أنّهم ماشَنِفوك لنَسبِك ولا لبلدك ولا لذاتِ نَفْسك فدَعْ ما يُبْعِدهمْ منك إلى ما يقرِّبُهم إليك والتمس العافيةَ مِمَّن دونَك تُعْطَها ممَّن فوقك وليكن إيقاعُك بَعْد وعيدِك ووعيدُك بعد وعدك فقال الحجاج: إنِّي واللَّه ما أرَى أنْ أردَّ بني اللَّكيعةِ إلى طاعتي إلاّ بالسيف فقال: أيُّها الأمير إنّ السَّيفَ إذا لاقَى السّيفَ ذهب الخِيارُ فقال الحجاج: الخيار يومئذٍ للَّه فقال: أجَلْ ولكن لا تَدْرِي لمن يجعلُه اللَّه فغضب الحجاج فقال: يا هَنَاه إنّك من مُحارب فقال جامع: من الطويل ولِلحرب سُمِّينا وكُنَّا مُحارباً إذا ما القَنَا أمسى مِنَ الطَّعن أحمرا والبيت للخُضْري فقال الحجَّاج: واللَّه لقد هممتُ أن أخلَعَ لسانَك فأضربَ به وجهك قال جامع: إنْ صَدَقْناك أغضَبْناك وإن غَشَشناكَ أغضبنا اللَّه فغَضَبُ الأميرِ أهوَن علينا من غضب اللَّه قال: أجَلْ وسَكَنَ وشُغِل الحجّاج ببعض الأمر وانسلّ جامعٌ فمرَّ بين صُفُوفِ خيل الشام حتّى جاوزهم إلى خيل أهل العراق وكان الحجَّاج لا يَخْلِطُهم فأبصر كَبْكَبَةً فيها جماعةٌ كثيرة من بَكر العراق وقيس العراق وتميم العراق وأَزْد العراق فلمَّا رأَوْهُ اشرأبُّوا إليه وبلَغَهم خروجُه فقالوا له: ما عندك دافَعَ اللَّهُ لنا عن نفسك فقال: ويحَكم غُمُّوه بالخَلْع كما يغمُّكم بالعداوة ودعُوا التعاديَ ما عاداكم فإذا ظَفرتم به تراجعتم وتعافَيتم أيُّها التَّميمي هو أعدى لك من الأزديّ وأيُّها القيسيّ هو أعدى لك من التَّغلبِيّ وهل ظَفر بمن ناوأه منكم إلاّ بمن بقي معه منكم وهرب جامعٌ من فوره ذلك إلى الشّام فاستجار بزُفرَ بن الحارث وخطب الحجاج فقال: اللهم أرِني الهُدَى هُدىً فأتَّبِعَهُ وأرِني الغَيَّ غَيّاً فأجتنبَه ولا تكِلْني إلى نفسي فأضلَّ ضلالاً بعيداً واللَّه ما أُحِبُّ أن ما مضى من الدُّنيا لي بعمامتي هذه ولَمَا بَقِي منها أشبَهُ بما مضى من الماء بالماء وخطبة له أيضاً الهيثم قال: أنبأني ابنُ عَيَّاش عن أبيه قال: خرج الحجّاج يوماً من القصر بالكوفة فسمِع تكبيراً في السوق فراعَه ذلك فصعِد المنبر فحمِد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على نبيّه ثم قال: يا أهل العراق يا أهل الشِّقاق والنِّفاق ومساوِئ الأخلاق وَبني اللّكيعة وعبيدَ العصا وأولادَ الإماء والفَقْعِ بالقَرْقرِ إنّي سمِعتُ تكبيراً لا يُرَاد به اللّه وإنما يُراد به الشّيطان وإنَّما مََثَلي ومَثلكم ما قال عَمرو بن بَرَّاقة الهَمْدَانيّ: من الطويل مَتى تجمَع القلبَ الذكيَّ وصارماً وأنْفاً حميّاً تجتنِبْك المظالمُ أمَا واللَّه لا تَقرَعُ عصاً عَصاً إلاّ جعلتُها كأمْس الدّابر
أما بعدُ فإنّه لا يُخبرِ عن فَضْل المرء أصدَقُ مِن ترَكِه تزكيةَ نفْسه ولا يعبِّر عنه في تزكيةِ أصحابه أصدَقُ من اعتماده إيَّاهم برغبته وائتمانِه إيّاهم على حرمته
قالوا: ولمّا قَتل يزيدُ بن الوليد ابنَ عمِّه الوليدَ بنَ يزيدَ بنِ عبد الملك بن مروان قام خطيباً بعد أن حَمِد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: واللَّه يا أيُّها الناس ما خَرَجْتُ أشَراً ولا بَطَراً ولا حرصاً على الدنيا ولا رغبةً في الملك وما بيَ إطراءُ نفسي وإنِّي لظُلومٌ لها ولقد خَسِرتُ إن لم يرحَمْني ربِّي ويغفرْ لي ذنبي ولكنِّي خرجتُ غضَباً للَّه ولدينه وداعياً إلى اللَّه وسُنّة نبيِّه لمّا هُدِمَت معالمَ الهُدى وأُطفِئَ نُور التُّقى وظَهَرَ الجبَّار العنيد وكثُرَتْ حولَه الحِزَق والجنود المستحلُّ لكلِّ حُرْمة والرّاكبُ لكلِّ بدِعة مع أنّهُ واللَّه ما كان يؤمنُ بيوم الحساب ولا يصدّق بالثواب والعِقاب وإنّه لابنُ عمِّي في النّسب وكَفِيِّي في الحسَب فلمّا رأيتُ ذلك استخرتُ ِاللَّه في أمره وسألتُه أن لا يكِلَني إلى نفسي ودعوت إلى ذلك مَن أجابني من أهل وِلايتي حتى أراح اللَّه منه العباد وطَهَّر منه البلاد بحول اللَّه وقُوَّته لا بحولي وقوَّتي أيها الناس إنّ لكم عليَّ ألاّ أضعَ حَجَراً على حَجَرٍ ولا لَبِنةً على لَبِنةٍ ولا أَكْرِيَ نهراً ولا أكنِزَ مالاً ولا أعطِيَه زوجاً ولا ولداً ولا أنقُلَ مالاً من بلدٍ إلى بلدٍ حتَّى أسُدّ فقر ذلك البلد وخَصاصةَ أهْله بما يغنيهم فإنْ فَضَلَ فَضلٌ نقلتُه إلى البلد الذي يليه ممَّن هو أحوجُ إليه منه ولا أجمِّرَكم في ثُغوركم فأفتنَكم وأفتنَ أهاليَكم ولا أغلق بابي دونكم فيأكلَ قويُّكم ضعيفَكم ولا أحملَ على أهلِ جزْيتكم ما أُجْليهم به عن بلادهم وأقطَعُ نسلَهم ولكم عندي أَعطِياتُكم في كلِّ سنةٍ وأرزاقُكم في كلِّ شهرٍ حتى تَستدِرَّ المعيشة بين المسلمين فيكونَ أقصاهم كأدناهم فإنْ أنا وفّيتُ فعليكم السَّمعُ والطاعة وحسن المُوَازرة والمكانفة وإن أنا لمْ أوفِ لكم فلكم أن تَخلعوني إلاّ أنْ تستَتِيبُوني فإنْ أنا تُبْتُ قبلتم منِّي وإن عرَفْتم أحداً يقوم مَقامي ممّن يُعرفَ بالصّلاح يعطيكم من نفسه مثلَ ما أعطيكم فأردْتم أنْ تبايعوه فأنا أوَّلُ من بايَعه ودَخل في طاعته أيُّها الناس: لا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق أقول قولي هذا وأستغفر اللَّه لي ولكم فلما بويع مَروان بن محمد نَبشَه وصلَبَه وكانوا يقرؤون في الكتب: يا مُبذّر الكنوز ويا سَجَّاداً بالأسحار كانت ولايتُك لهم رحمة وعليهم حُجةً أخذوك فصلَبُوك قامَ خطيباً يوسف بن عمر فقال: اتَّقوا اللّه عبادَ اللَّه فكم مِن مؤمِّلٍ أملاً لا يبلغُه وجامِعٍ مالاً لا يأكله ومانعٍ ما سوف يتركُه لعلّهُ مِن باطلٍ جَمَعه ومِن حقٍّ مَنَعه أصابَهُ حراماً وأورثَه عَدوّاً فاحتمل إصْرَه وباء بوزره ووَرَد على ربِّه آسفاً لاهفاً قد خسر الدُّنيا والآخرة ذلك هو الخُسران المبين
بشار بن عبد الحميد عن أبي ريحانة قال: وفد هِلال بن وكيع والأحنف ابن قيس وزَيد بن جَبَلة على عمر رحمه اللَّه فقال هلالُ بن وكيع: يا أمير المؤمنين إنّا لُبابُ مَن خَلفْنَا من قومنا وغُرَّةُ مَن وراءَنا من أهل مصرِنا وإنّك إنْ تصرفْنا بالزيادة في أعطياتنا والفرائضِ لعيالاتنا يزدْ ذلك الشَّريفَ منا تأميلاً وتكُنْ لذوي الأحساب أباً وَصُولاً فإنّا إن نكن مع ما نَمُتُّ به من فضائلك ونُدلي به مِنْ أسبابك كالجُدِّ الذي لا يُحَلُّ ولا يُرحَل نرجِعْ بآنُفٍ مَصلومة وجُدودٍ عائرة فمِحْنا وأهاليَنا بسَجْلٍ من سِجالك المُتْرَعة وقام زيدُ بن جبلة فقال: يا أمير المؤمنين سَوِّدِ الشّريفَ وأَكرِم الحسيب وازرَعْ عندنا من أياديك ما نسدُّ به الخَصاصَة ونَطرُد به الفاقة فإنّا بِقُفّ من الأرض يابسِ الأكناف مقشعِرِّ الذِّروة لا شجَرَ فيه ولا زَرْع وإنّا من العرب اليومَ إذْ أتيناك بمرأى ومَسمَع وقام الأحنف فقال: يا أمير المؤمنين إنَّ مفاتِح الخير بيد اللَّه والحرصَ قائد الحِرمان فاتّق اللَّه فيما لا يُغني عنك يَوم القيامة قيلاً ولا قالا واجعل بينك وبين رعيّتك من العدل والإنصافِ سبباً يكفيك وِفادةَ الوفود واستماحةَ المُمتاح فإنّ كلَّ امرئٍ إنّما يجمع في وعائه إلا الأقلَّ ممَّن عسى أن تقتحمه الأعيُن وتخونَهم الألسن فلا يُوفَد إليك يا أمير المؤمنين
خطب أهل العراق بعد دَيْر الجماجم فقال: يا أهل العراق إنّ الشيطان قد استبطنكم فخالَطَ اللّحمَ والدّم والعصَب والمسامِعَ والأطراف والأعضاء والشَّغاف ثم أفضى إلى الأمخاخ والأصماخ ثم ارتفع فعَشّش ثم باض وفرّخ فَحَشاكم نِفاقاً وشقاقاً وأشعرَكُم خِلافاً واتّخذتموه دليلاً تتّبعونه وقائداً تُطيعونه ومُؤامَراً تستشيرونه فكيف تنفعكمْ تجربةٌ أوْ تعِظُكم وقَعة أو يحجِزُكم إسلام أو ينفعُكم بيان ألستم أصحابي بالأهواز حيثُ رُمْتُم المَكْر وسعيتم بالغَدْر واستجمعتم للكفر وظننتم أَنّ اللَّه يخذُل دينَه وخِلافتَه وأنا أرميكم بطَرْفي: وأنتم تَسَلّلون لِواذاً وتنهزمون سراعاً ثمّ يومُ الزّاوية وما يوم الزَّاوية به كان فشلُكم وتنازُعكم وتخاذُلُكم وبراءة اللَّه منكم ونكوصُ وليِّكم عنكم إذ وليّتُم كالإبل الشَّواردِ إلى أوطانها النَّوازعِ إلى أعطانها لا يَسأل المرء عن أخيه ولا يَلْوي الشَّيخُ على بَنِيه حن عَضَّكم السِّلاح ووَقَصَتْكم الرِّماح يومُ دَير الجماجم وما يومُ دير الجماجم به كانت المعاركُ والمَلاحم بضَرْبٍ يُزيل الهامَ عن مَقِيله ويُذْهِلُ الخليلَ عن خليله يا أهلَ العراقِ الكَفَراتِ بعد الفَجَرات والغَدَرَاتِ بعد الخَترات والنَّزوةَ بعد النَّزوات إنْ بعثُتكم إلى ثُغوركم غَلَلْتُم وخُنْتم وإن أمِنتم أَرْجَفْتم وإن خِفتم نافقتم لا تَذكُرون حسنةً ولا تشكرون نعمة هل استخفَّكم ناكثٌ أَو استغواكم غاوٍ أو استفزَّكم عاص أو استنصَرَكم ظالم أو استعضدكم خالعٌ إلاّ تبِعتموه وآوَيْتُموه ونصرتُموه ورجّبْتموه يا أهلَ العراق هل شَغَبَ شَاغِبٌ أو نَعَب ناعب أَو زَفر زافرٌ إلاّ كنتم أتباعَه وأنصارَه يا أهل العراق ألم تنهكم المواعظُ ألم تَزجرْكم الوقائع ثم التفَتَ إلى أهل الشام فقال: يا أهل الشام إنَّما أنا لكم كالظَّليم الرامح عن فراخه ينفي عنها المدَر ويُباعِد عنها الحجَر ويُكنُّها من المطر ويحميها من الضِّباب ويحرُسها من الذِّئاب يا أهلَ الشام أَنتم الجُنَّة والرِّداءُ وأنتم العُدّة والحذاء وقال رجلٌ لحذيفة: أخشى أن أكون منافقاً فقال: لوكنتَ منافقاً لم تخْشَ ذلك وقال آخر: اعلم أنّ المصيبة واحدةٌ إن صبرتَ وإن لم تصبر فهما مصيبتان ومُصِيبتُك بأجرك أعظمُ من مصيبتك بميْتك وقال صالح بن عبد القُدّوس: إن يكن ما به أُصِبْتُ جليلاً فَذَهابُ العزاءِ فيه أجلُّ وقال آخر: تعزَّ عن الشيء إذا مُنعتَه لقلّة ما يصحبُك إذا أٌعطِيتَه وما خَفّف الحسابَ وقلّله خيرٌ مما كثّره وثقّله قال: وحدثنا أبو بكر الهُذلي - واسمه سُلْمِيُّ - قال: إذا جَمَع الطَّعامُ أربعاً فقد كمل وطاب: إذا كان حلالاً وكثُرت الأيدي عليه وسُمِّي اللَّه تعالى في أوَّله وحُمِد في آخره
وخطب زياد فقال: استوصُوا بثلاثةٍ خيراً: الشريف والعالم والشيخ فواللّه لا يأتيني شريفٌ بوضيع استخَفَّ به إلاّ انتقمتُ له منه ولا يأتيني شيخ بشابٍّ استخَفّ به إلا أوجعتُه ضرباً ولا يأتيني عالمٌ بجاهل استَخفَّ به إلاّ نكّلتُ به عليّ بن سُلَيم قال: قال حاتم طيٍّ لعديّ ابنِه: أيْ بُنيّ إن رأَيتَ أنّ الشرّ يتركُك إن تركتَه فاتركْه قال: وقال عديّ بن حاتم لابنٍ له: قم بالباب فامنَعْ مَن لا تعرف وأْذَنْ لمن تعرف فقال: لا واللَّه لا يكونَنّ أَوَّلَ شيءٍ وَلِيته من أمْر الدنيا منْعُ قوم من طعام وقال مدينيٌّ لعبد الملك بن مروان ودخل عليه بنوه: أراكَ اللَّه في بنيك ما أرى أباك فيك وأرى بنيكَ فيك ما أراك في أبيك وقال بعض الأعراب وهو يرقِّص بعضَ أولاد الخلافة ويقول: من الرجز إنَّا لنرجُوكَ لتيكَ تِيكَا لها نرجِّيك ونَجتبيكا هي التي نَأمُل أن تأتيكا وأن يَرَى ذاك أبوك فيكا كما رأى جَدّك في أبيكا وقال ابن شُبرمُة: ذهب العلم إلاّ غُبَّراتٍ في أوعية سَوْء الهيثم بن عديّ عن ابن عَيّاشٍ عن أبيه قال: خرج الحجّاج إلى القاوسان فإذا هو بأعرابيّ في زرع فقال له: ممَّن أنت فقال: من أهل عُمان قال: فمن أيِّ القبائل قال: من الأزْد قال: كيف عِلمُك بالزرع قال: إنِّي لأعلم من ذلك علماً قال: فأيُّ الزرع خيرٌ قال: ما غَلُظَ قصبُه واعتمّ نبتُه وعظُمت حَبَّته وطالت سنبُلتُه قال: فأيُّ العِنب خير قال: ما غَلُظ عموده واخضرّ عوده وعَظُم عُنقوده قال: فما خير التمر قال: ما غَلُظَ لحاؤه ودقَّ نواه ورقّ سَحاه قالوا: كان الحُطيئة يرعَى غنماً له وفي يده عصا فمرّ به رجلٌ فقال: يا راعيَ الغنم ما عندك قال: عجراءُ من سَلَمٍ يعني عَصَاهُ قال: إنِّي ضيف فقال الحطيئة: للضِّيفان أعددتُها قال ابنُ سُلَيم: قال قيس بن سعد: اللهم ارزقْني حمداً ومجداً فإنه لا حَمد إلاّ بِفَعال ولا مجدَ إلاّ بمال وقال خالد بن الوليد لأهل الحِيرة: أخرجُوا إليَّ رَجلاً من عقلائكم أسألْه عن بعض الأمور فأخرجوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حَيّان بن بُقَيلة الغَسّاني وهو الذي بني القَصر وهو يومئذ ابن خمسين وثلاثمائة سنة فقال له خالد: مِن أين أقصَى أثرِك قال: من صُلب أبي قال: فمن أينَ خرجت قال: مِن بطن أمِّي قال: فعلام أنت قال: على الأرض قال: فيم أنت قال: في ثيابي قال: ما سنُّك قال: عَظمٌ قال: أتَعقِل لا عَقَلتَ قال: إي واللَّه وأُقيِّد قال: ابن كم أنت قال: ابن رجل واحد قال: كم أتى عليك من الدهر فقال: لو أتى عليّ شيءٌ لقتلني قال: ما تزيدني مسألتك إلاّ غُمَّى قال: ما أجبتُك إلاّ عن مسألتك قال: أعرَبٌ أنتم أم نَبط قال: عربٌ استنبطنا ونبط استعربنا قال: فحربٌ أنتم أم سَلم قال: سَلم قال: فما بال هذه الحصون قال: بنيناها للسّفيه حتّى يجيءَ الحليم فينهاه قال: كم أتت عليك سنةً قال: خمسون وثلاثمائة قال: فما أدركتَ قال: أدركتُ سفنَ البحر تُرفَأُ إلينا في هذا الجُرْفِ ورأيت المرأة من أهل الحِيرة تأخذ مِكتَلَها على رأسها ولا تتزوَّدُ إلاّ رغيفاً واحداً فلا تزال في قُرىً مُخْصِبة متواترة حتّى تَرد الشام ثم قد أصبَحتْ خراباً يَباباً وذلك دأْبُ اللَّه في العباد والبلاد قال: وأتى أزهَرَ بن عبد الحارث رجلٌ من بني يربوع فقال: ألا أدخل قال: وراءَك أوسَعُ لك قال: أحرقت الشّمس رجليّ قال: بُلْ عليهما تبرُدا فقال: يا آل يربوع قال: ذليلاً دعوت يا بني دُرَيْص أطعمتكم عاماً أوَّلَ جُلَّةً فأكلتم جُلَّتكم وأغَرْتم على جُلّة الضِّيفان وقال الحجَّاج لرجلٍ من الخوارج: أجَمَعْت القرآن قال: أَمتفرِّقاً كان فأجمعَه قال: أتقرؤه ظاهراً قال: بل أقرؤه وأنا أنظر إليه قال: أفتحفظُه قال: أخشِيتُ فِراره فأحفظَه قال: ما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك قال: لعَنَه اللَّه ولعنَكَ معه قال: إنّك مقتول فكيف تَلقَى اللَّه قال: ألقَى اللَّه بعملِي وتلقاه أنت بدمي وقال لقمان لابنه هو يعظُه: يا بُنَيّ ازحَم العلماء برُكبتيك ولا تجادلهم فيمقتوك وخُذْ من الدُّنيا بلاغَك وأبْق فُضُول كسبك لآخرتك ولا ترفض الدُّنيا كلَّ الرفض فتكونَ عيالاً وعلى أعناق الرجال كَلاًّ وصمْ صوماً يكسِرُ شهوتك ولا تصمْ صوماً يضرُّ بصَلاتك فإنَّ الصلاةَ أفضل من الصوم وكُن كالأب لليتيم وكالزَّوج للأرمَلة ولا تحابِ القريب ولا تجالس السَّفيه وسمع الأحنفُ رجلاً يُطري يزيدَ عند معاوية فلما خَرج من عنده اسْحَنْفَرَ في ذمِّهما فقال له الأحنف: مَهْ فإن ذا الوجهين لا يكون عند اللَّه وجيهاً وقال سعيد بن أبي العَرُوبة: لأنْ يكون لي نصفُ وجهٍ ونصف لسان على ما فيهما من قُبح المنظر وعَجْز المَخْبَر أحبُّ إليَّ من أن أكون ذا وجهين وذا لسانين وذا قولين مختلفين وقال أيّوب السَّخْتياني: النَّمَّام ذو الوجهين أحسنَ الاستماع وخالفَ في الإبلاغ حفص بن صالح الأديّ عن عامرالشَّعبي قال: كتب عمر إلى معاوية: أمّا بعد فإنِّي كتبتُ إليك بكتابٍ في القَضاء لم آلُكَ ونفسي فيه خيراً الزَمْ خمسَ خصالٍ يسلمْ لك دينُك وتأخُذْ فيه بأفضل حظَّك: إذا تقدَّم إليك خَصمان فعليك بالبّينة العادلة أو اليمين القاطعة وأَدْن الضعيف حتّى يشتدَّ قلبُه وينبسطَ لسانه وتعهَّد الغريبَ فإنّك إن لم تتعهّدْه ترك حقَّه ورَجَع إلى أهله وإنما ضيّع حقَّه من لم يرفُقْ به وآس بينهم في لحظك وطرفك وعليك بالصُّلح بين الناس ما لم يَستَبِنْ لك فَصل القضاء أبو يوسف عن العَرزميّ عمَّن حدثه عن شُرَيح أن عمر بن الخطاب رحمه اللَّه كتب إليه: لا تُشَارِ ولا تُمارِ ولا تُضَارّ ولا تَبِعْ ولا تَبْتَع في مجلس القضاء ولا تقضِ بين اثنين وأنت غضبان وقال عمر بن عبد العزيز: إذا كان في القاضي خمس خصال فقد كمل: علمُ ما كان قبله محمد بن حرب الهلالي قال: لما وَلَّى يزيد بن معاوية سَلْمَ بن زياد خراسان قال له: إن أباك كَفَى أخاهُ عظيماً وقد استكفَيتك صغيراً فلا تتّكلَنَّ على عُذر منِّي لك فقد اتَّكلت على كفايةٍ منك وإيَّاك منِّي قبل أنْ أقول إيَّاي منك فإنَّ الظنَّ إذا أخلَفَ منِّي فيك أخلَفَ منك فيَّ وأنت في أدنى َحظِّك فاطلب أقصاه وقد أتعَبَك أبوك فلا تريحنَّ نفسَك وكنْ لنفسك تكنْ لك واذكرْ في يومك أحاديثَ غَدِك تَسْعَد إنْ شاء اللَّه ومما قالوا في التشديق وفي ذكر الأشداق قال المازنيّ: من الكامل مَن كان يعلم أن بِشراً مُلصَقٌ فاللَّه يجزيه وربُّك أعلمُ يُنبيك ناظرُه وقلّةُ لحمه وتشادُقٌ فيه ولونٌ أسحمُ أنَّ الصّرِيحَ المحضَ فيه دلالةٌ والعرقُ منكشِفٌ لمن يتَوسّمُ أمّا لسانُك واحتباؤك قاعداً فزرارة العُدُسيّ عندك أعجم إني لأرجو أن يكون مقالهم زُوراً وشانئك الحسودُ المرغَمُ وفي مثل ذلك يقول مَوْرَقٌ العبد: من الرجز قد عَلِمَ الغربيّ والمُشَرِّقُ أنَّك في القوم صَميمٌ مُلصَقُ وأنت ليلٌ ونهار مُشْرِقُ لولا عجوز قَحْمَةٌ ودَرْدَقُ وصاحبٌ جَمُّ الحَديثِ مُونِقُ كيف الفَواتُ والطَّلُوبُ مَوْرَقُ شيخٌ مَغيظٌ وسِنَانٌ يَبْرُق وحَنْجَرٌ رَحبٌ وصَوتٌ مِصْلَقُ وشِدْقُ ضرغامٍ ونابٌ يَحرُق وشاعرٌ باقي الوَسوم مُفْلِق
قال أبو المجيب: وصف رائدٌ أرضاً جَدْبةً فقال: اغبرَّت جادَّتُها ودُرِّعَ مَرْتعُها وقَضِمَ شجرُها ورقّت كَرِشُها وخَوِرَ عظمها والتقى سَرْحاها وتميَّزَ أهلُها ودخل قلوبَهم الوَهَل وأموالهم الهزل الجادّة والحَرجَة والمَجَبَّةُ معناه كلُّه: وسط الطريق ومُعظَمُه ومَنهجُه والتقى سَرحاها يقول: إذا أكل كلُّ سارحٍ ما يليه التقيا عند الماء وإذا لم يكن للجمال مَرْعىً إلاّ الشَّجر وحده رقّت أكراشُه وقوله: تميَّزَ أهلها: تفرَّقوا في طلب الكلأ ومرتعُ مُدَرِّع إذا كان بعيداً من الماء ومرتَعٌ قاصِرٌ إذا كان قريباً من الماء ويقولون: ماء مُطْلِبٌ وماء مُطْنِبٌ إذا ألجأهم إلى طلبه من بُعدِه ووصف أعرابيٌّ أرضاً أَحْمَدَهَا فقال: خَلَع شِيحُها وأبقل رِمْثُها وخَضَبَ عَرفجُها واتسق نبتُها واخضَرَّت قُريانها وأخْوَصَت بُطنانها واستَحْلَسَتْ آكامُها واعتَمَّ نبت جراثيمها وأجْرَتْ بَقْلَتُها وذُرَقَتُها وخبّازتها واحورّت خواصِر إبلِها وشَكِرت حَلوبتُها وسَمِنَت قَتُوبتُها وعَمِدَ ثَرَاها وعَقِدت تَنَاهِيهَا وأماهَتْ ثِمادُها ووثِقَ النّاس بصائرتها قال: يقال: خَلَع الشِّيحُ إذا أوْرَقَ والخالع من العِضَاه: الذي لا يسقط ورقه أبداً كالسِّدر فإنّه لا يتجرّد وكلُّ شجرٍ له شوكٌ فهو عِضَاهٌ والواحد عِضَةٌ إلاّ القَتَادَ لا يُعْبِلُ إلاّ الأرطي وأخْوَصَتْ بُطنانها إذا نَبَتَ فيه قُضْبانٌ دِقاقٌ وخَضَب عَرْفَجُها يقول: اسودّ وأخْوصَ الشَّجر وهو الذي لا شوك له ومن العضاهِ قشره وقِصَدُه فإذا يبست فهي عُود واتّسق نَبتُها أي تتامّ وأجْرَت بَقْلَتُها أي نَبَت فيها مثل الجِراءِ والعُلَّفة: ثمرة الطَّلْح والحُبلةُ للسَّلَم واحوَرَّت خواصر إبلها يقول: استرخت عن كثرة الرَّعي وشكرَت حَلوبتها يقول غَزُرت قال: شَكِرَت الإبل والغنم إذا تمّلأت من الربيع وهي إبلٌ شَكَارَى ويقال ضَرَّةٌ شكْرَى إذا امتلأتْ من اللبن والضَّرَّة: أصل الضَّرع وقوله: عَمِد ثَرَاها وذلك إذا قَبضتَ منه على شيء فتعقّد واجتمع من نُدُوّته يقال عَمِدَ الثرى يَعْمَدُ عَمَداً وهو ثَرىً عَمِدٌ فالعَمَد: أن يجاوزَ الثّرى المنكِب وهو أن يقيس السَّماء بالمرفق فيقول: بلغت وَضَح الكفّ ثم الرُّسغ ثم العَظَمة ثم المرفق ثم يَنْصُف العضُد ثم يبلغ المنكب فإذا بلغ المَنْكِبَ قيل: عَمِدَ الثَّرى فيقال إن ذلك حَيَا سِنِين والتَّنَاهي واحدتها تنْهِيَةٌ وهي مستقَرّ السَّيْلِ وحيث ينتهي الماء وعَقَدُها: أن يَمُرّ السّيلُ مُقبلاً حتّى إذا انتهى منتهاه دار بالأباطح حتَّى يلتقي طرفا السَّيل والصائرة: الكلأُ والماء قالوا: قاتل الحجّاجُ ابنَ الأشعث في المِرْبَدِ فخطب ابنُ الأشعث فقال: أيُّها النّاس إنّه لم يَبقَ من عُدوّكم إلاّ كما يبقى من ذنب الوزَغة تضرب بِهِ يميناً وشِمالاً فما تَلبَثُ أن تموت فمرّ به رجلٌ من بني قُشَير فقال: قَبَّح اللَّه هذا ورأيَهُ يأمر أصحابَه بقلّة الاحتراس من عدوهم ويَعِدهم الأضاليل ويمنِّيهم الأباطيل وناسٌ كثيرٌ يَرون أنّ الأشعث هو المحسن دون القُشَيريّ وقال بشار: من الطويل وحَمدٍ كعَصْبِ البُرْد حَمَّلت صاحبي إلى مَلكٍ للصَّالحات قَرينِ وقال أيضاً: من الطويل وبِكرٍ كنُوَّار الرِّياض حديثُها تَرُوق بوجهٍ واضحٍ وقوَامِ أبو الحسن قال: كان معاويةُ يأذن للأحنف أوَّلَ من يأذَن فأذِن لهُ يَوماً ثم أذِن لمحمِّد بن الأشعث حتَّى جلس بين معاوية والأحنف فقال له معاوية: لقد أحسَسْتَ من نفسك ذُلاًّ إنِّي لم آذَنْ له قبلك إلاّ ليكون إليّ في المجلس دونَك وإنّا كما نَملك أمورَكم كذلك نملك تأديبكم وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأُصَيلٍ الخُزاعيّ: يا أُصَيل كيف تركت مكة قال: تركتُها وقد أحْجَن ثُمامُها وأمْشَرَ سَلَمها وأعذَقَ إذخِرُها فقال عليه السلام: دَع القُلوب تَقَرَّ وسأل أبو زيادٍ الكلابيُّ الصَّقيلَ العُقَيْليّ حين قدم من البادية عن طريقه قال: انصرفتُ من الحجّ فأصعَدْتُ إلى الرَّبذة في مَقاطِّ الحَرّةِ ووجدت صِلالاً من الرَّبيع من خَضِيمةِ حَمْضٍ وصِلِّيانٍ وقَرْمَل حتّى لو شئتُ لأنختُ إبلي في أذراء القَفْعاءَ فلم أزَلْ في مَرْعًى لا أُخِسُّ منه شيئاً حتّى بلغتُ أهلي وقال سَلاّم الكلابيّ: رأيتُ ببطن فَلْجٍ منظراً مِن الكلأ لا أنساه: وجدت الصَّفْرَاءَ والخُزامَى تضربان نحورَ الإبل تحتهما قَفْعاء وحُرْبثٌ قد أطاعَ وأمسَكَ بأفواه المال - أي لا تقدر أن ترفع رؤوسها - وتركت الحُوران ناقعةً في الأجارع وذمّ أرضاً فقال: وجدنا أرضاً ماحلةً مثل جلدِ الأجرب تصأى حَيّاتها ولا يسكُت ذئبها ولا يقيِّد راكبُها وقال النّضر: قلت لأبي الخُضَير: ما رأيتَ من الخِصب قال: كنت أشرب رثيئة تجرُّها الشَّفتان جَرّاً وقارصاً قُمارِصاً إذا تجشّأتُ جدع أنفِي ورأيتُ الكَمْأة تدوسها الإبل بمناسمها والوضر يشَمُّه الكلبُ فيَعْطِسُ وقال الأصمعي: قال المنتَجع بن نبهان: قال رجل من أهل البادية: كنت أرى الكلب يمرُّ محمد بن كُنَاسة قال: أخبرني بعض فُصحاء أعرابِ طيّئ قال: بعثَ قومٌ رائداً فقالوا: ما وراءك قال: عُشب وتعاشيب وكَمْأة متفرِّقة شيبٌ تقلعُها بأخفافها النِّيب فقالوا له: لم تصنع شيئاً هذا كذب فأرسلوا آخرَ فقالوا: ما وراءك قال: عشب تأدٌ مأْد مَوليُّ عَهْد متدارك جَعد كأفخاذ نساء بني سعد تشبع منه الناب وهي تَعْدْ قال: لأنّ النبْت إذا كان قليلاً وقفت عليه الإبل وإذا كان كثيراً أمكنها الأكلُ وهي تعدُو قال: وبعث رجلٌ أولادَه يرتادون في خِصْب فقال أحدهم: رأيت بقلاً وماءً غَيلاً يسيل سَيلاً وخُوصةً تميل مَيْلاً يحسَبُها الرّائد ليلاً وقال الثاني: رأيت دِيمةً على ديمَةٍ في عِهَادٍ غير قديمة وكلأً تشبع منه النَّاب قبل الفَطيمة وقال أبومُجيب: قيل لأوفَى بن عُبَيد: ايت واديَ كذا وكذا فارتَدْه لنا فقال: وجدت به خُشْباً هَرْمَى وعُشْباً شَرْماً قال: والهَرْمَى: الذي ليس له دُخان إذا أُوقد من يبسه وقِدمه والشرْم: العُشب الضخم يقال: هذا عُشْب شَرْمٌ وقالَ هَرِم بن زيد الكلبي: إذا أحْيَا النْاسُ قيل: قد أكلأت الأرض واحرَنْفَشت العنزُ لأختها ولَحِسنَ الكلبُ الوَضَر قال: واحرِنفاش العنز: أن ينتفش شعرُها وتَنصِبَ رَوْقَيها في أحد شِقّيْها لتنطح صاحبتَها وإنَّما ذلك من الأشَر حين ازدُهيت وأعجبتها نفسُها ولحِسَ الكلبُ الوضر لِمَا يُفْضِلون منه لأنَّهم في الجدب لا يَدَعون للكلب شيئاً يلحَسُه وقال أبو مجيب: إذا أجدب الرَّائد قال: وجدت أيضاً أَرْمَى وأرضاً عَشْمَى فأمّا العَشْمَى: فالتي يُرَى فيها الشَّجر الأعشَم وإنَّما يَعْشَم من الهَبْوةِ ويقال للشَّيخ: إنَّما هو عَشَمَةٌ لاستشنانِ جلدِه وجُفوف رأسه وثُلوب جسمِه فأما الأرْمَى فالتي قدأُرمت فليس فيها أصلُ شجَر قال أبو عبيدة: قال بعضُ الأعراب: تركت جُرَادَ كأنها نعامةٌ باركة يريد التفاف نبتها وهي من بلاد بني تميم وقيل لأعرابيّ: ما وراءَك قال: خَلّفتُ أرضاً تَظَالمُ مِعْزاها يقول: سمنت وأَشِرت فتظالمت وتقول العرب: ليس أظلمُ من حيَّةٍ وتقول: هو أظلم من وَرَلٍ وأظلم من ذئب كما تقول: أغدر من ذئب وكما يقولون: أكسب من ذِئبٍ قال الأسديّ: من الطويل لعمرُك لو أنِّي أخاصمُ حَيَّةً إلى فقعسٍ ما أنصفتنيَ فقَعسُ إذا قلتُ ماتَ الدَّاءُ بيني وبينهم أتى حاطبٌ منهم لآخر يَقبِسُ فما لكمُ طُلْساً إليّ كأنكمْ ذئابُ الغَضَى والذِّئب باللّيل أطلسُ وقال الفَزَاريّ: من البسيط أو لو أخاصمُ ذئباً في أكيلتِهِ لجاءني جمعُهم يسعى مع الذِّيب يقول: بلغ مِن ظُلم قومنا لنا أنّا لو خاصمنا الذئابَ والحيَّاتِ وبهما يضرِبون المثل في الظلم لقَضَوا لهما علينا وقالت العرب: إذا شبِعت الدَّقيقة لَحِست الجليلة هذا في قلّة العُشْب إنّما تلحسه النّاقة لقلّته وقِصَره وحدثنا أبو زيادٍ الكلابيّ قال: بعث قومٌ رائداً بعد سِنينَ تتابعت عليهم فلما رجَع إليهم قالوا له: ما وراءك قال: رأيت بَقلاً يَشبع منه الجملُ البَرُوك وتَشَكَّتْ منه النِّساء وهَمَّ الرَّجل بأخيه أمّا قوله: الجمل البَروك فيقول: لو قام قائماً لم يتمكّن منه لِقصَرِه وأما قوله: وتشكَّت منه النِّساء فإنه مأخوذ من الشَّكوة وجمع الشكوة شِكاء والشَّكوة: مَسْك السَّخْلة ما دامت تَرْضع والشِّكاء أصغر من الوِطَاب يقول: لم يكثر اللبن بعدُ فيُمخَضَ في الوِطاب وقوله: وهمَّ الرجل بأخيه أي همَّ أن يدعوه إلى منزله كما كانوا يصنعون في أيام الخِصب وقال غيره: الخِصب يدعو إلى طلب الطوائل وغزْو الجيران وإلى أن يأكل القويُّ مَن هو أضعفُ منه وقالوا في الكلأ: كلأٌ تشبع منه الإبل مُعَقّلة وكلأٌ حابِس فيه كمُرْسِل يقول: مِن كثرته سواء عليك أحبَستها أم أرسلتَها ويقولون: كلأٌ تَيجَعُ منه كبدُ المُصْرِم وأنشد الباهليّ: من الرجز ثم مُطِرْنا مطرةً رويّهْ فنَبَتَ البقلُ ولا رَعِيّهْ وأنشد الأصمعيّ: من الوافر فجُنِّبتَ الجيوشَ أبا زُنَيْبٍ وجادَ على مسارحكَ السَّحابُ يجوز أن يكون دعا عليه ويجوز أن يكون دعَا له وقال الآخر: من الرجز أمرعَت الأرضُ لوَ أنّ مالاَ لوَ أنَّ نُوقاً لك أو جِمَالا أوثَلة من غَنمٍ إمَّا لا وقال ابنُ الأعرابيّ: سأل الحَجّاج رجُلاً قدِم من الحجاز عن المطر فقال: تتابعت علينا الأسميةُ حتى مَنَعَت السُّفّارَ وتَظَالمت المِعزَى واحتُلبَت الدِّرَّةُ بالجِرَّة لقيط قال: دخل رجلٌ على الحجاج فسأله عن المطر فقال: ما أصابني من مطر ولكنِّي سمعتُ رائداً يقول: هلمّ أُظْعِنْكم إلى مَحَلّةٍ تَطفأ فيها النّيران وتتنافس فيها المِعزَى وتبقى بها الجرّة حتَّى تنزل الدِّرَّة أبو زيد قال: تخاصمت امرأتانِ إلى ابنة الخُسِّ في مَراعي أبوَيْهما فقالت الأولى: إبلُ أبي ترعى الإسليح فقالت ابنة الخُسِّ: رِغوةٌ وصَريح وسَنامٌ إطريح وقالت الأخرى: مَرعى إبل أبي الخَلّة قالت ابنة الخسِّ: سريعة الدِّرَّة والجِرَّة وقال الأحوص بن جعفر بعد ما كان كَبِرَ وعَمِيَ وبنوهُ يَسُوقون به: أيّ شيءٍ ترتعي الإبل قالوا: غَرفَ الثمام والضَّعَةَ قال: سُوقوا ثم إنَّها عادت فارتعت بمكان آخر فقال: أيَّ شيءٍ ترتعي الإبل قالوا: العِضَاهُ والقِضَةُ قال: عُود عَوِيد شِبَعٌ بعيد وقال: سُوقوا حتَّى إذا بلَغوا بلداً آخَرَ قال: أيَّ شيء ترتعي الإبل قالوا: نَصيّاً وصِلِّيَاناً قال: مَكفَتَةٌ لرُغَاها مَطْوَلةٌ لذُراها ارْعَوا واشبعوا ثمّ سألهم فقال: أيَّ شيء ترتعي الإبل فقالوا: الرِّمْث قال: خُلِقَت منه وخُلق منها قال أبو صاعد الكلابيّ: وزعم النّاس أنّ أوَّل ما خُلقت الإبل خُلقت من الرِّمث وعلامة ذلك أنك لا ترى دابَّةً تريده إلاّ الإبل قال: وقيل لرُؤبة: ما وراءك قال: الثّرى يابس والمرعى عابس قال: وقالت امرأةٌ من الأعراب: أصبحنا ما ترقُد لنا فرس ولا ينام لا حَرَسٌ قالوا: كان أبو المجيب كثيراً ما يقول: لا أرى امرأةً تُصَبِّر عينيها ولا شريفاً يَهنَأُ بَعيراً ولا امرأةً تلبَس نطَاقَ يَمنْةٍ وخَطَب بلالٌ بن أبي بُردة بالبصرة فعَرف أنَّهم قد استحسنوا كلامه فقال: أَيُّها الناس لا يمنعنّكم سوءُ ما تعلمون مِنَّا أن تقبلوا أحسنَ ما تسمعون منّا وقال عمر بن عبد العزيز: ما قومٌ أشبَهَ بالسلف من الأعراب لولا جفاءٌ فيهم وقال غيلان أبو مروان: إذا أردتَ أن تتعلّم الدعاء فاسمع دعاء الأعراب وقال رجل من بني سُلَيم وسأله الحجاج عن المطر فقال: أصابتْنا سحائبُ ثلاث: سحابةٌ بحَوْران بقَطرٍ صغار وقطر كبار فكان الصِّغار للكبار لُحْمَةً ثم أصابَتْنا الثانية بسُواء فلبَّدت الدِّماث ودَحَضت العَزَاز وصَدَعت الكمأةَ عن أماكنها ثم أصابتنا الثالثة بالقَرْيتين فملأت الإخاذ وأفعمَتْ كلَّ واد وأقبَلْنا في ماءٍ يجرُّ الضبُعَ ويستخرجُها مِن وِجارها وقال رجل من بني أسد لمحمد بن مروان وسأله عن المطر فقال: ظهَرَ الإعصار وكثُر الغُبار وأُكِل ما أشرف من الجَنْبة وأيقنّا أنه عامُ سَنَةٍ قال أبو الحسن عتّابٌ: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جبار أنّ الإسكندر كان لا يدخل مدينةً إلاّ هدمها وقتل أهلها حتّى مرّ بمدينةٍ كان مؤدِّبُه فيها فخرج إليه فألْطَفه الإسكندرُ وأعظمَه فقال له: أيُّها الملك إنّ أحقَّ مَن زيّن لك أمرَك وواتاك على كلِّ ما هَوِيت لأنا وإن أهلَ هذه المدينة قد طِمعوا فيك لمكاني منك وأحِبُّ ألاَّ تشفّعَني فيهم وأنْ تخالِفَني في كلِّ ما سألتك لهم فأعطاه الإسكندرُ من ذلك ما لا يقدر على الرُّجوع عنه فلما توثَّق منه قال: فإنّ حاجتي أن تَدخُلها وتخرِّبَها وتقتُل أهلها فقال الإسكندر: ليس إلى ذلك سبيلٌ ولا بدّ من مخالفتك وقال عليُّ بن أبي طالبٍ رضي اللَّه عنه: أفضل العبادة الصَّمتُ وانتظارُ الفرج وقال يزيد بن المهلَّب وقد طال عليه حَبْسُ الحجّاج: والهفَاه عَلَى فَرْجٍ في جَبهة أسد وطَلِيَّة بمائة ألف وقال الأصمعيّ: دخل دُرُسْت بن رباط الفُقَيميّ على بلال بن أبي بُردةَ وهو في الحبس فعلم بلالٌ أنّه شامتٌ به فقال: ما يسرّني بنصيبي من المكروه حُمْرُ النَّعَم فقال دُرُسْت: فقد أكثر اللَّه لك منه قال الهيثم بن عديّ: كان سَجّان يوسفَ بن عمر يرفع إلى يوسف بن عمر أسماءَ الموتى فقال له عبد اللَّه بن أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري: اقبضْ هذه العشرة الآلاف الدّرهم وارفَع اسمي في الموتى قال: فرفع اسمه في الموتى فقال له يوسف بنُ عمر: ويحك جئني به فرجع إليه فأعلمه فقال له: ويحك اتّق اللَّه فيّ فإني أخاف القتل قال: وأنا أيضاً أخاف ما تخاف ثم قال: قتلك أهونُ عليَّ من قتلي ولا بدَّ من قتلك فوضع على وجهه مخدَّةً فذهبت نَفْسُه مع المال وأمّا عبد اللَّه بن المقفَّع فإنّ صاحب الاستخراج لما ألحّ عليه في العذاب قال لصاحب الاستخراج: أعندك مال وأنا أُرْبِحُك ربحاً ترضاه وقد عرَفتَ وفائي وسخائي وكتماني للسّرّ فعَيِّنِّي مقدار هذا النَّجْم فأجابه إلى ذلك فلما صار له مالٌ ترفَّقَ به مخافة أن يموت تحت العَذَاب فيتْوَى مالُه وقال رجل لعَمرو الغزّال: مررت بك البارحةَ وأنت تقرأ فقال: لو أخبرتني أيّ آية كنت فيها لأخبرتُك كم بَقِيَ من اللّيل وسمع مُؤرِّجٌ البَصرِي رجلاً يقول: أمير المؤمنين يردُّ عَلَى المظلوم فرجَع إلى مصحفه فردّ على براءةَ: بسم اللَّه الرحمن الرحيم وكان عبد الملك بن مروان في مرضه الذي مات فيه يعطَش وقيل له: إن شربت الماء مُتَّ فأقبل ذاتَ يومٍ بعض العُوَّد فقال: كيف حالُ أمير المؤمنين فقال: أنا صالحٌ والحمد للَّه ثم أنشأ يقول: من الطويل ومستخبرٍ عنّا يريد بنا الرّدى ومستخْبراتٍ والدّموع سواجمُ ويلكم اسقوني ماءً وإن كان فيه تلَفُ نفْسي فشرب ثم مات وكان حبيب بن مسلمة الفِهريُّ رجلاً غَزَّاءً للترك فخرج ذات مرّةٍ إلى بعض غَزَواته فقالت له امرأته: أين موعدك قال: سُرادقُ الطّاغية أو الجنة إن شاء اللَّه قالت: إنِّي لأرجو أن أَسْبِقَك إلى أيِّ الموضعين كنت به فجاء فوجدها في سُرادق الطّاغية تقاتل التُّرْك ولمّا مدح الكميتُ بن زيدٍ الأسديُّ مَخْلَد بنَ يزيد بن المهلّب فقال له ابنُ بيِضٍ: إنّكَ يا أبا المسْتَهِلّ لكجالبِ التّمر إلى هَجَر قال: نعم ولكنّ تَمْرَنا أجودُ من تمركم وكان السّيِّد الحميريُّ مُولَعاً بالشّراب فمدح أميراً من أمراء الأهواز ثم صار إليه بمديحهِ له فلم يصِلْ إليه وأغَبّ الشّرابَ فلما كان ذاتَ يومٍ شرِب ثم وصل إليه فجلس من بُعدِ فقَرّبه وشمّ منه رِيحَ الشَّراب فقال: ما كنت أظن أبا هاشم يفعل هذا ولكنْ يُحتَمَل لمادِح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أكَثرُ من هذا - يمازحه - ثم قال: يا جاريةُ هلُمِّي الدواة ثم كتب إلى بعض وكلائه: ادفع إلى أبي هاشم مائتي دَورق مَيْبَخْتَجاً فقال السيِّد: لقد كنت أظنُّ الأميرَ أبلغَ ما هو قال: وأيَّ شيءٍ رأيتَ من العِيّ قال جَمْعُكَ بين حرفين وأنت تجتَزِي بأحدهما امْحُ هذه الخبيثة بَخْتَجاً ودع مَياً على حالها ففعل وحَمَل الكتاب فأخذها عبيطاً عبد اللَّه بن فائد قال: قالت امرأة الحُضَين بن المنذر للحضَين: كيف سُدْتَ قومَك وأنت بخيل وأنت دَميم قال: لأنِّي سديد الرّأْي شديد الإقدام قال: وقال مَسلمة بنُ عبد الملك لهشام بن عبد الملك: كيف تطمع في الخلافة وأنت بخيلٌ وأنت جَبان قال: لأنِّي حليمٌ وأَنّي عفيف وقال زبَّانُ: من الرجز إنّ بني بدرٍ يَرَاعٌ جُوفُ كلُّ خطيبٍ منهم مؤُوفُ أهوجُ لا ينفعه التثقيفُ وقال لبيد بن ربيعة: من الطويل وقال في تفصيل العلم والخَطابة وفي مدح الإنصاف وذم الشَّغَب: من الكامل ولقَد بلوتُكَ وابتليتَ خليقتي ولقد كفاكَ مُعلِّمي تعليمي وقال لبيد: ذهبَ الذين يُعاش في أكنافهم وبقِيتُ في خَلْف كجلد الأجربِ يتأكَّلون مَغَالةً وخيانة ويُعابُ قائلهُم وإن لم يَشغَبِ وقال زيد بن جُندب: من البسيط ماكان أغنى رجلاً ضلَّ سعيُهُم عن الجدال وأغناهم عن الخُطَبِ وقال لقَيطُ بن زرارة: من الرجز إني إذا عاقبتُ ذو عقابِ وإنْ تشاغِبْني فذو شِغابِ وقال ابنُ أحمر: من الطويل وكم حلَّها من تَيّحانٍ سَمَيْدَعٍ مُصافِي الندى ساقٍ بيهماءَ مُطْعِمِ طَوِي البطنِ مِتلافٍ إذا هبَّتِ الصَّباٍ على الأمر غوّاصٍ وفي الحيِّ شيظمِ وقال آخر: من الكامل وأغرَّ منخرقِ القميص سميدعٍ يدعو ليغزوَ ظالماً فيُجابُ وقال آخر: من الطويل كريم يغضّ الطّرْفَ عند حَيائه ويدنُو وأطرافُ الرماح دَوَان وكالسّيف إن لايَنْتَه لانَ متنُه وحدَّاه إن خاشنتَه خَشِنانِ وقال آخر: من الوافر يقطِّع طرفَه عنّي سويدٌ ولم أذكر بسيّئة سُوَيدا توقَّ حِدادَ شوكِ الأرض تسلَمْ وغيرَ الأسدِ فاتّخِذَنَّ صيدَا وقال آخر: من السريع لا تَحسِبنّ الموتَ موتَ البِلى فإنّما الموتُ سؤالُ الرِّجالِ كلاهما موتٌ ولكن ذا أشدُّ مِن ذاك لذلّ السؤالِ وللحسين بن مُطَير: من الطويل رأت رجلاً أودى بوافِرِ لحمه طِلابُ المعالي واكتسابُ المكارمِ خفيفَ الحشا ضَرْباً كأنَّ ثيابَه على قاطعٍ من جوهر الهِند صارمِ فقلت لها: لا تَعْجَبِنَّ فإنَّني أرى سِمَن الفتيان إحدى المَشاتِم وقال ابنُ أحمر: من الكامل هل لامني قومٌ لموقف سائلٍ أو في مخاصمة اللّجوجِ الأصيدِ وقال لَبيدُ بن ربيعة في التطبيق على قوله: من الرجز يا هَرِمَ بنَ الأكرمِينَ مَنْصِبا إنّك قد أُوتيتَ حُكْماً مُعجِبا فطَّبقِ المَفْصِل واغنَمْ طيِّبا وقال آخر: من الوافر فلما أنْ بَدَا القعقاع لجَّت على شَرَكٍ تُناقِلُه نِقالا تعاوَرَنْ الحديثَ وطبّقتْه كما طبّقتَ بالنّعل المِثالا وقال ابن أحمر: من الكامل لو كنتُ ذا علم علمتُ وكيف لي بالعلم بعد تدبُّر الأمرِ وقال: من السريع ليْستْ بشوشاةِ الحديث ولا فُتُقٍ مغالِبَةٍ على الأمرِ وقال: من الكامل تضعُ الحديثَ على مواضعه وكلامُها من بَعدِه نَزْرُ وخَصم مُضِلّ في الضِّجاج تركتُه وقد كان ذا شَغْب فَولّى مُواتِيا وذكر عليُّ بن أبي طالبٍ رحمه اللَّه أَكتَلَ بن شَمَّاخٍ العُكْليَّ فقال: الصَّبيح الفصيح وهو أوَّل مَن اتّخذ بيت مالٍ لنفسه في داره عبد اللَّه بن المبارَك عن مَعْمَر عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيكون بعدي أمراءُ يُعطَوْن الحكمةَ على منابرهم وقلوبُهم أنتنُ من الجِيَف جعفر بن سليمان الضُّبَعيّ عن مالك بن دينار قال: غدوت إلى الجمعة فجلست قريباً من المِنبر فصعِد الحجّاج المنبر ثم قال: امرأً زوّر عملَه امرأً حاسبَ نفسه امرأً فكّر فيما يقرؤه في صحيفته ويراه في ميزانه امرأً كان عند قلبه زاجراً وعند همّه ذاكراً امرأً أخذ بعنان قلبه كما يأخذ الرّجُل بخطام جَمَله فإنْ قادَه إلى طاعة اللَّه تَبِعه وإن قادهُ إلى معصية اللَّه كَفّه وبعث عديُّ بن أرطاة إلى المهالبةِ أبا المليحِ الهُذليّ وعبد اللَّه بنَ عبد اللَّه ابن الأهتم والحسنَ البَصريّ فتكلم الحسنُ فقال عبد اللَّه: واللَّه ما تمنّيتُ كلاماً قطُّ أحفظُه إلاّ كلامَ الحسن يومئذ قال: وتنقّصَ ابنٌ لعبد اللَّه بن عروة بن الزبير عَليّاً رحمه اللَّه فقال له أبوه: واللَّه ما بنَى الناسُ شيئاً قطُّ إلاّ هَدَمَه الدِّين ولا بَنَى الدِّين شيئاً فاستطاعت الدُّنيا هدمَه ألم تر إلى عليٍّ كيف يُظهِرُ بَنُو مروان من عيبه وذمّه واللَّه لكأنَّما يأخذونَ بناصيته رفعاً إلى السماء وما تَرَى ما أبو الحسن قال: قال عبد اللَّه بن الحسن لابنه محمد حين أراد الاستخفاء: أي بُنَيَّ إني مؤدٍّ حقَّ اللَّه في حُسن تأديبك فأدِّ إليَّ حق اللَّه في حسن الاستماع أيْ بُنَيّ كُفّ الأذى وارفض البَذَا واستَعِنْ على الكلام بطُول الفكر في المواطن التي تدعوك فيها نفسك إلى القول فإن للقول ساعاتٍ يضرُّ فيها خطاؤه ولا ينفع صوابُه احذَرْ مشورةَ الجاهل وإن كان ناصحاً كما تحذر مشورةَ العاقل إذا كان غاشّاً فإنَّه يوشك أن يورّطاك بمشورتهما فيسبقَ إليك مكرُ العاقل وتوريط الجاهل وكان يقال: من لانت كلمتُه وجبت محبته ومن طال صمتُه اجتلب من الهيبة ما ينفعُه ومن الوحشة ما لا يضرُّه
قال قُتيبة بن مسلم لحُضَين بن المنذر: ما السّرور قال: امرأةٌ حسناء ودارٌ قوراء وفرسٌ مرتَبَطٌ بالفِناء وقيل لِضرار بن الحصَين: ما السرور قال: لواء منشور وجلوسٌ على السرير والسلامُ عليك أيُّها الأمير وقيل لعبد الملك بن صالح: ما السرور قال: من مجزوء الكامل كلّ الكرامةِ نلتُها إلاّ التَّحيّةَ بالسّلامِ وقيل لعبد اللَّه بن الأهتم: ما السرور قال: رفع الأولياء وحَطُّ الأعداء وطولُ البقاء مع أبو الحسن المدائني قال: قيل لإنسان بَحْريّ: أيَّ شيء تَمَنّى قال: شربةً من ماء الفِنْطاس والنَّومَ في ظلِّ الشراع وريحاً دُنْبدَاد وقيل لطفيلي: كم اثنان في اثنين قال: أربعة أرغفة وقال الفلاّس القاصّ: كان أصحابُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم بدرٍ ثلاثمائة وستِّين درهماً وقلت لملاَّحٍ لي وذلك بعد العصر في رمضان: انظر كم بينَ عين الشمس وبين موضع غُروبها من الأرض قال: أكثر من مُرْدِيَّيْنِ ونصف وقال آخر: وقع علينا اللُّصوص فأوَّلُ رجلٍ داخلٍ دخل علينا السفينةَ كان في طول هذا المُردِيِّ وكانت فخذُه أغلظَ من هذا السُّكان واسوَدَّ صاحب السَّفينة حتّى صار أشدّ سواداً من هذا القِير وأردتُ الصّعودَ مرَّةً في بعض القناطر وشيخٌ ملاَّح جالس وكان يومَ مَطَرٍ وزَلَق فزلِقَ حماري فكاد يُلقيني لجَنْبي لكنّه تماسَكَ فأقعى على عَجُزه فقال الشيخ الملاّح: لا إله إلاّ اللَّه ما أحسَنَ ما جلس على كَوْثَلِهِ ومررت بتَلّ طينِ أحمرَ ومعي أبو الحسَين النّخَّاس فلما نظر إلى الطِّين قال: أيُّ أواريَّ تَجيءُ من هذا الطِّين مررنا بالخُلد بعد خرابه فقال: أيُّ إصطبلات تجيء مِنْ هذا الموضع وقيل لبعضهم: ما المروءة قال: طهارة البدن والفعلُ الحسَن وقيل لمحمد بن عمران: ما المروءة قال: أن لا تعمل في السرّ شيئاً تستحِي منه في العلاَنِيَة وقيل للأحنف: ما المروءة قال: العِفة والحِرْفة وقال طلحة بن عُبيد اللَّه: المروءة الظاهرةُ الثياب الطّاهرة وقل لأبي هريرة: ونظر بكر بن الأشعر وكان سَجَّاناً مرَّة إلى سُور دار بَجَالَة بن عبْدة فقال: لا إله إلاّ اللَّه أيُّ سجنٍ يجيء من هذا وقال إنسانٌ صيرفيّ: باعني فلانٌ عشرين جَريباً ودانِقينِ ونصفاً ذهباً قال: ونظر عثمان بن عفّان رحمه اللَّه إلى عِير مُقْبلَةٍ فقال لأبي ذَرّ: ما كنت تحبُّ أن تَحمِل هذه قال أبو ذَرّ: رجلاً مثلَ عُمَر وقيل للزُّهريّ ما الزُّهد في الدنيا فقال: أمَا إنه ليس بشَعَثِ اللِّمّة ولا قَشَفِ الهيئة ولكنَّه ظَلْفُ النفّس عن الشَّهوة وقيل له أيضاً: ما الزُّهد في الدنيا قال: ألاّ يغلِبَ الحرام صَبْرَك ولا الحلالُ شُكرَك ونظر زاهدٌ إلى فاكهة في السُّوق فلما لم يجدْ شيئاً يبتاعها به عزَّ نفسَه وقال: يا فاكهة مَوعدي وإياكِ الجَنَّة قالوا: ومَرّ المسيح عليه السلام بَحَلَق بني إسرائيل فشتَموه فكلَّما قالوا شرّاً قال المسيح صلى الله عليه وسلم خيراً فقال له شَمعون الصَّفيّ: أكلَّما قالوا شَرّاً قلت لهم خيراً قال المسيح: كلُّ امرءٍ يعطِي ممَّا عندَه وقال بعضهم: قيل لامرئ القيس بن حُجْر: ما أطيبُ عيشِ الدُّنيا قال: بيضاء رُعبُوبَة بالطِّيب مشبوبة بالشَّحم مكروبة وسئل عن ذلك الأعشى فقال: صهباء صافية تمزجها ساقية من صَوب غادية وقيل مثل ذلك لطرَفَةَ فقال: مَطعمٌ شهيّ وملبَس دَفيّ ومركَبٌ وطيّ قال: وكان محمّد بن راشدٍ البجليّ يتغدّى وبينَ يديه شَبُّوطة وخيّاطٌ يقطع له ثياباً ورآه يلحَظُ الشَّبُّوطة فقال: قد زَعمتَ أن الثوبَ يحتاج إلى خِرقة فكم مقدارها قال: ذراعٌ في عرض الشَّبُّوطة ودخل آخَرُ على رجلٍ يأكل أُترُجَّةً بعسَل فأراد أن يقول: السلام عليكم فقال: عَسَلَيكُم ودخلت جاريةٌ روميَّةٍ على راشد البَتَّيّ لتسأل عن مولاتها فبصُرَت بحمار قد أدلى في الدار فقالت: قالت مولاتي: كيف أير حماركم - فيما زعم أبو الحسن المدائني وأنشد ابن الأعرابيّ: من الرمل وإذا أظْهرتَ أمراً حسَناً فليكن أحسَنَ منه ما تُسِرّ فمُسِرُّ الخير موسومٌ به ومُسِرُّ الشرِّ موسومُ بشَرّ وأنشد ابن الأعرابيّ: من الطويل أرى النَّاسَ يبنُون الحصونَ وإنّما غوابر آجالِ الرّجالِ حُصونُها وإنَّ من الأحمال دُوناً وصالحاً فصالحُها يبقى ويَهلِكُ دُونُها وأنشد ابنُ الأعرابي: مجزوء الكامل حَسْبُ الفتى من عيشه زادٌ يبلغُه المَحلاّ خُبزٌ وماء بارد والظّلّ حين يريد ظِلا وما العيش إلاّ شَبعةٌ وتشرُّقٌ وتَمرٌ كأخفاف الرِّباع وماءُ محمّد بن حرب الهلاليّ قال: قلت لأعرابي: إنِّي لك لَوادُّ قال: وإن لك من قلبي لَرَائداً قال: وأتيت أعرابيّاً في أهله مُسلِّماً عليه فلم أجدْهُ فقالت لي امرأته: عَشَّر اللَّهُ خُطاك أي جعلها عَشرة أمثالها قالوا: وكان سَلْم بن قتيبة يقول: لم يضيّع امرؤٌ صوابَ القول حَتَّى يضيّع صواب العمل أبو الحسن قال: قال الحجَّاج لمعلّم ولده: علّم وَلدِي السِّباحة قبل الكتابة فإنّهم يصيبون مَن يكتب عنهم ولا يُصيبون من يَسْبَح عنهم أبو عقيل بن دُرُسْت قال: رأيت أبا هاشم الصوفيَّ مقْبِلاً من جهة النهر فقلت: في أيِّ شيء كنتَ اليوم قال: في تعلُّم ما ليس يُنسَى وليس لشيءٍ من الحيوان عنه غِنًى قال: قلت وما ذَاكَ قال: السِّباحة حدّثنا عليُّ بن محمدٍ وغيره قال: كتب عُمر بن الخطّاب إلى ساكني الأمصار: أمَّا بعد فعلّموا أولادَكم العَوْم والفُروسةَ وروّوهم ما سارَ من المَثَل وحَسُن من الشِّعر وقال ابنُ التّوْءم: علّم ابنَك الحسابَ قبلَ الكتاب فإنّ الحسابَ أكسَبُ من الكِتاب ومؤونةُ تعلّمه أيسر ووجوهُ منافعه أكثر وكان يقال: لا تعلّموا بناتِكم الكتابَ ولا تروُّوهن الشعر وعلّموهن القرآن ومن القرآن سُورةَ النور وقال آخر: بنو فلان يعجبهُم أن يكون في نسائهم إباضيَّات ويُؤْخَذْنَ بحفظ سورة النُّور وكان ابنُ التوءم يقول: من تمام ما يجب على الآباء من حفظ الأبناء أن يعلِّمُوهم الكتاب والحساب والسِّباحة خطب رجلٌ امرأةً أعرابيّة فقالت له: سَلْ عنّي بني فلان وبني فلان وبني فلان فعَدَّتْ قبائلَ فقال لها: وما عِلْمهم بك قالت: في كلِّهم قد نكَحْت قال: أُرَاكِ جَلنْفعةً قد خَزَّمَتْكِ الخزائِم قالت: لا ولكنّي جوالة بالرَّحْل عَنْتَرِيس وقال الفرزدق لامرأته النَّوَار: كيف رأيتِ جريراً قالت: رأيتُكَ ظلمتَه أوَّلاً ثم شَغْرْتَ عنه بِرِجلك آخِراً قال: أنا إنيِهْ قالت: نعم أمَا إنَّه قد غلَبك في حُلوِه وشارَكَكَ في مُرِّه قال: وتغدَّى صَعصعة بن صُوحانَ عند معاوية يوماً فتناوَلَ من بين يدَيْ معاويةَ شيئاً فقال: يا ابنَ صُوحان لقد انتجعتَ من بعيد فقال: مَن أجدَبَ انتَجَع وبَصُر الفرزدقُ بجريرٍ مُحْرِماً فقال: واللَّه لأُفسِدنَّ على ابن المَرَاغة حَجَّه ثم جاءه مستقبِلاً له فجَهَرَه بِمشقَص كان معه ثم قال: من الطويل نّك لاقٍ بالمَشَاعر من مِنًى فَخاراً فخبّرني بمن أنتَ فاخِرُ فقال جرير: لبيك اللّهم لبيك: ولم يُجِبْه قال: وأُدخِل مالكُ بن أسماءَ سجنَ الكوفة فجلس إلى رجلٍ من بني مُرّة فاتّكأ المُرّيّ عليه يحدّثه حتّى أكثَر وغَمَّه ثم قال: هل تدري كم قَتلْنا منكم في الجاهلية قال مالِكٌ: أمّا في الجاهليّة فلا لكنِّي أعرف مَن قتلتُم منا في الإسلام قال المُرّيّ: ومَن قتلنا منكم في الإسلام قال: أنا قد قتلْتَني غَمّاً قال: ودخل رجلٌ من محاربِ قيسٍ على عبد اللَّه بن يزيد الهلاليّ وهو عاملٌ على أَرْمِينِيَة وقد بات في موضع قريبٍ منه غدير فيه ضفادع فقال عبد اللَّه للمحاربيّ: ما تركَتْنا أشياخُ محاربٍ نَنام في هذه الليلةِ لشدَّة أصواتها فقال المحاربيّ: أصلَحَ اللَّه الأمير إنَّها أضَلَّت بُرقُعاً لها فهي في بُغائه أراد الهلاليُّ قولَ الأخطل: تَنِقُّ بلا شيءٍ شُيوخُ محاربٍ وما خِلتُها كانت تَرِيش ولا تَبْرِي ضفادعُ في ظلماءِ ليلٍ تجاوبت فدلَّ عليها صوتُها حَيّةَ البحرِ وأراد المحارٍ بيُّ قول الشاعر: من الطويل لكلِّ هلاليٍّ من اللُّؤم بُرقعٌ ولابنِ هلالٍ بُرْقُعٌ وقميصُ وقال العُتْبيّ: من الطويل رأيْنَ الغَوانِي الشّيبَ لاحَ بعارضِي فأعرضْنَ عنِّي بالخُدود النواضِرِ وكُنَّ إذا أبصَرْنَني أو سمِعنَ بي سَعيْنَ فرقّعن الكُوَى بالمحاجرِ لئنْ حُجِّبت عنِّي نواظِرُ أعينٍ رَمَيْنَ بأَحداق المَها والجآذرِ خلائفُ في الإسلام في الشِّرك قادة بهم وإليهمْ فَخْرُ كلِّ مُفاخرِ وقال لبيد: من الكامل والشَّاعرون النَّاطِقون أُراهم سلَكوا طريق مُرقِّشٍ ومُهلْهِلِ وقال آخر: من البسيط أم مَن لباب إذا ما اشتدَ حاجبُه أم من لخصمٍ بعيد الغَور مغوارِ وقال حاجب بن دينار المازنيّ من الطويل ونحن بنو الفَحْل الذي سال بولُه بكلِّ بلادٍ لا يبولُ بها فحلُ أبَى النَّاسُ والأقلام أن يَحسُبُوهُم إذا حُصِّلَ الأجناسُ أوْ يُحسبَ الرَّملُ فإن غَضِبوا سَدُّوا المشارِقَ منهمُ ملوكٌ وحكامٌ كلامهمُ فَصلُ وقال أعرابيُّ من بني حَنيفة وهو يمزَح: من البسيط مَرّ الجرادُ على زرعي فقلت له: الزَمْ طريقَك لا تُولَع بإفسادِ فقال منهم خطيبٌ فوق سُنبلةٍ: إنّا على سفر لا بُدَّ من زادِ وقال آخر يهجو بَعضَ الخُطَباء: من الوافر يُمان ولا يَمُون وكان شيخاً شديد اللُّقْمِ هِلقاماً خطيباً ذهَب الذين أحبُّهم فَرَطاً وبقيتُ كالمقْمورِ في خَلْف من كلِّ مَطويٍّ على حَنَقٍ متضجِّع يُكفَى ولا يَكْفي وقال الحسن بن هانئ: من الطويل إذا نابَهَ أمرٌ فإمَّا كفيتَه وإمَّا عليه بالكَفِيّ تُشِيرُ وقال آخر: من الطويل ذَرِيني فلا أعيا بما حلّ ساحتي أَسُودُ فأكفِي أو أُطيعُ المُسوَّدا وقال بشَّار: من الطويل وفي العَبَراتِ الغُرّ صَبْرٌ على النَّدَى أولئك حَيٌّ من خُزَيمةَ أغلبُ وألأم من يَمشي ضُبيعةُ إنّهم زعانفُ لم يَخْطُب إليهمْ مُحجَّبُ وكذلك قول أعشى بني ثعلبة: من البسيط ما ضرَّ غاني نِزارٍ أن تُفارقه كلبٌ وجَرمٌ إذا أبناؤه اتفّقوا قالت قُضاعَةُ: إنَّا من ذَوي يَمَن اللَّه يعلم ما بَرُّوا ولا صدقوا يزداد لَحْمُ المَنَاقِي في منازلنا طيباً إذا عَزَّ في أعدائنا المَرقُ وقال بلعاءُ بن قيس: من الطويل أبَستُ لنفسي الخَسفَ لمّا رَضُوا به ووليَّتهم شَتْمي وما كنت مُفْحَما وقال بلعاءُ بن قيسٍ لِسُراقَةَ بن مالك بن جُعْشُمٍ: من اوافر ألا أبلغْ سُراقَة: يا ابن مالٍ فبئس مَقالةُ الرّجلِ الخطيبِ أترجو أن تؤوبَ بظُعْن ليثٍ فهذا حينُ تُبصِرُ من قريبِ وقال منصورٌ الضبّيّ: من البسيط ليت الفتى عَجرداً مِنَّا مكانَهُمُ وليتهم من وراء الأخضر الجاري قد قام سيِّدهُم عِمرانُ يخطُبهم ما كان للخير عمرانٌ بأَمَّارِ قال: وتقول العرب: الخَلّةُ تَدْعُو إلى السَّلّة وكانوا إذا أَسَروا أسيراً قال المادح: أسَرَه في مُزاحَفَة ولم يأسِرْه في سَلّةٍ وفي الحديث لا إسلالَ ولا إغلال وفي المثل: الحاجة تفتح بابَ المعرفة ونذكر هنا أبياتَ شعر تصلح للرواية والمذاكرة قال سُويدُ المراثِدِ الحارثي أو غيره: من الطويل بني عمِّنا لا تذكُرُوا الشِّعرَ بعدما دفنتم بصحراء الغُمَيمِ القوافيا فلَسْنا كمن كنتمْ تُصيبون سَلّة فنقْبَلَ عَقْلاً أو نحكِّم قاضيا ولكنَّ حُكمَ السَّيفِ فيكمْ مُسلَّطٌ فنرضَى إذا ما أصبَحَ السَّيفُ راضيا فإن قلتُم: إنّا ظَلَمْنا فإنّكم بدأتمْ ولكنَّا أسأْنا التّقاضيا وقال ضابئ بن الحارث: من الطويل ورُبّ أمورٍ لا تضيرُك ضيرةً وللقلب من مَخْشاتهنَّ وجيبُ وقال حارثةُ بن بدر: من الطويل وقلْ للفؤادِ إن نزا بِك نزوةً من الرَّوْع أفرخ أكثَرُ الرَّوْع باطِلُه وقال لَبيد بن ربيعة: من الرمل واكذِبِ النَّفْس إذا حدَّثْتَها إنَّ صدْقَ النَّفسِ يُزْرِي بالأَمَلْ وقال حبيب بن أوس: من الطويل وطولُ مُقامِ المرءِ في الحيِّ مُخْلِقٌ لدِيباجتَيْهِ فاغتربْ تتجدَّد فإنِّي رأيتُ الشَّمسَ زِيدتْ مَحبَّةً إلى النًّاس أنْ ليست عليهم بسَرْمَدِ وقال غيره: من الطويل هو الشّمس إلا أنّ للشَّمس غَيبةً وهذا الفتى الجَرميُّ ليس يَغِيبُ يروح ويغدُو ما يُفَتِّرُ ساعةً وإن قيل ناءٍ فهو منكَ قريبُ وقال آخر: من الطويل وقال حارثةُ بن بدر: من الوافر إذا ما مُتُّ سَرَّ بني تميم على الحَدَثانِ لو يَلْقَون مِثلي عدُوُّ عدُوّهِمْ أبداً عدُوّي كذلك شِكلهم أبداً وشِكْلي وهو شبيه بقول الأعشى: من البسيط عُلِّقتُها عَرَضاً وعُلِّقَتْ رجلاَ غيري وعُلِّقَ أخرى غيْرَها الرَّجُلُ وقال عمرو لمعاوية: من أصبر الناس قال: من كان رأيه رَادّاً لهواه واختلفوا بحضرة الزُّهْريّ في معنى قول القائل: فلان زاهد فقال الزُّهري: الزاهد الذي لا يغلب الحرامُ صَبْرَه ولا الحلالُ شكْره وقال ابن هبيرة وهو يؤدّب بعض بنيه: لا تكوننّ أوَّلَ مشيرٍ وإيَّاك والرَّأي الفَطِير وتجنَب ارتجالَ الكلام ولا تُشِرْ على مستبِدٍّ ولا علي وَغْدٍ ولا على متلوِّن ولا على لَجوج وخَفِ اللَّه في موافقةِ هوى المستشير فإنّ التماس موافقته لؤمٌ وسوءَ الاستماع منه خِيانة وقالوا: من كثر كلامه كثُر سَقَطُه ومن ساء خُلُقه قلَّ صديقُه وقال عمر للأحنف: من كثر ضحِكُه قلَّت هَيْبتُه ومن أكثر من شيء عُرِفَ به ومن كَثُرَ مِزَاحُه كثُر سَقَطُه ومن كثر سَقَطُه قَلَّ ورعُه ومن قلَّ ورعُه ذهب حياؤُه ومن ذهب حياؤُه ماتَ قلبُه وقال المهلَّب لبنيه: يا بَنِيَّ تباذَلُوا تَحَابُّوا فإنّ بني الأمِّ يختلفون فكيف بنو العَلاّت إنَّ البِرَّ يَنْشأ في الأجَل ويزيد في العدد وإن القطيعة تُورِثُ القلّة وتُعْقِب النّار بعد الذِّلَّة واتّقوا زَلّة اللسان فإنَّ الرّجُل تزلُّ رجله فينتعش ويزلُّ لسانه فيهلِك وعليكم في الحرب بالمكيدة فإنّها أبلغ من النَّجدة فإنَّ القتالَ إذا وقَعَ وقع القضاء فإن ظَفر فقد سَعِد وإن ظُفِر به لم يقولوا فرّط ولقيَ الحسينُ رضي اللَّه عنه الفرزدقَ فسأله عن النَّاس فقال: القُلوبُ معك والسّيوفُ عليك والنَّصر في السماء وقال بعضهم: حُجب أعرابيٌّ عن باب السلطان فقال: من الطويل أُهِينُ لهم نفسي لأكرِمَها بهم ولا يكرِمُ النفس الذي لا يهينُها وقال جرير: من الكامل قومٌ إذا حضر المُلُوكَ وُفودُهم نُتِفت شواربهمْ على الأبوابِ وقال آخر: من الطويل نَهيتُ جَميعَ الحَضْر عن ذكر خُطّةٍ يدبّرُها في رأيه ابنُ هشامِ فلمّا وردتُ البابَ أيقنْتُ أنَّنا على اللَّهِ والسُّلطان غيرُ كرامِ وقال آخر: من البسيط وافَى الوفودُ فوافى من بني حَمَلٍ بِكرُ الحَمَالةِ قانِي السِّنِّ عُرْزومُ وقال متمِّم: من الطويل وقال آخر: من الطويل قليلٌ التَّشكِّي للمصيباتِ ذاكرٌ مِن اليوم أعقابَ الأحاديثِ في غدِ وقالوا: أشدُّ من الموت ما يُتَمنَّى له الموت وقال الفرزدق وهو يصف طعنة: من الطويل يودّ لك الأدنَوْن لو مُتَّ قَبلَها يَرَونَ بها شرّاً عليك مِن القَتلِ وقال: وقيل للأحنف: ما بلغ من حزمك قال: لا أَلِي ما كُفِيت ولا أُضِيع ما وَليتُ وقال آخر: لا تقيموا ببلادٍ ليس فيها نهر جارٍ وسوقٌ قائمة وقاضٍ عَدْلٌ وقالوا: لا تُبنى المدن إلاّ على الماء والمرعَى والمُحتَطَب وقال مالك بن دينار: لربما رأيتُ الحجَّاج يتكلّم على مِنبره ويَذكُر حُسنَ صنيعِه إلى أهل العراق وسُوءَ صَنيعهم إليه حتّى إنَّه ليُخيَّل إلى السامع أنَّه صادقٌ مظلوم أبو عبد اللَّه الثَّقَفيّ عن عمِّه قال: سمِعت الحسن يقول: لقد وقذَتْني كلمةٌ سمعتُها من الحَجَّاج قلتُ: وإنَّ كلامَ الحجَّاج ليَقِذُك قال: نعم سمعتُه على هذه الأعواد يقول: إنَّ أمرأً ذهبت ساعةٌ من عمره في غير ما خُلِقَ له لَخليقٌ أن تطول عليها حسرتُه وقال بضهم: ما وجدتُ أحداً أبلَغَ في خيرٍ وشرٍّ من صاحب عبد اللَّه بن سَلِمة قال: دخل الزِّبرقانُ بن بدرٍ على زيادٍ وقد كُفّ بصره فسلَّمَ تسليماً جافياً فأدناه زيادٌ فأجلسه معه وقال: يا أبا عَيَّاش: القومُ يضحكون من جفائك قال: وإن ضحكوا فواللَّه إن منهم رجلٌ إلاّ بِوُدِّهِ أنِّي أبوه دون أبيه لِغَيَّة أو لِرَشْدةٍ وقال: ونظر هشامُ بن عبد الملك إلى قبر عثمان بن حيان المُرِّيّ فقال: جُثْوَةٌ من جُثَى النار قالوا: وكان يقال: صاحب السَّوءِ قطعةٌ من النار والسَّفر قِطْعةٌ من العذاب وقال بعضهم: عذابان لا يَكترِثُ لهما الداخل فيهما: السَّفَر الطويل والبِناء الكبير وقال رجلٌ من أهل المدينة: مَن ثَقُل على صديقه خَفَّ على عدوّه ومَن أسرَعَ إلى النّاس بما يكرهون قالوا فيه بِما لا يعلمون وقال سهل بن هارون: ثلاثة يعودون إلى أجَنِّ المجانين وإن كانوا أعقَلَ العقلاء: الغضبان والغَيْران والسَّكران فقال له أبو عَبْدان الشاعر المخلَّع: ما تقول في المنْعِظ فضحك حتَّى اسلَنْقى ثم قال: وما شَرُّ الثلاثةِ أمَّ عمرٍو بصاحبك الذي لاتَصبَحينا وقال أبو الدّرداء: أقربُ ما يكونُ العبدُ مِن غضب اللَّه إذا غَضِبَ وقال: قال إياس: البُخْل قَيد والغَضَبُ جُنون والسُّكْر مفتاح السّرّ وقال بعض البُخَلاء: ما نَصَب الناس لشيء نَصْبَهم لنا هَبْهم يُلزِموننا الذّمَّ فيما بيننا وبينهم ما لهم يُلزموننا التقصيرَ فيما بيننا وبين أنفُسنا قال: وقال إبراهيم بن عبد اللَّه بن حسن لأبيه: ما شعر كُثَيِّرٍ عندي كما يصفُ النّاس فقال له أبوه: إنك لم تَضَع كُثَيِّراً بهذا إنّما تضَع بهذا نَفْسَك قال: وأنشد رجل عمر بن الخطاب رحمه اللَّه قولَ طرَفة: من الطويل فقال عمر: لولا أن أسيرَ في سبيل اللَّه وأضَعَ جَبهتي للَّه وأجالِسَ أقواماً ينتقون أطايب الحديث كما ينتقون أطايب التَّمْرِ لم أبالِ أن أكُونَ قد مُتُّ وقال عامر بن عبد قيس ما آسَى من العراق إلاّ على ثلاث: على ظَمَأ الهواجر وتجاوُب المؤذّنين وإخوانٍ لي منهم الأسود بن كُلثوم وقال آخر: ما آسى من البَصْرة إلاّ على ثلاث: رُطَب السُّكَّر وليل الحَزِيز وحديث أبي بَكْرة وقال سَهل بن هارون: من الطويل تكنّفني همّانِ قد كَسَفا بالي وقد تركا قلبي مََحَلّةَ بَلْبالِ هما أذْرَيا دمعي ولم تُذر عَبرتي ربيبةُ حِذرٍ ذات سمْطٍ وخلخالِ ولكنَّني أبكِي بعينٍ سَخينةٍ على جَلَل تبكي له عينُ أمثالي فِراقُ خليلٍ أو شَجىً يستشِفُّنِي لِخَلَّة مَرْءٍ لا يقومُ لها مالي فَوَاكبدي حَتّى متَى القلبُ موجَعٌ بفقدِ حبيبٍ أو تعذُّر إفْضال وما العيشُ إلاّ أن تَطُول بنائلٍ وإلاّ لقاءُ الخِلِّ ذي الخُلُق العالِي وقال آخَر: لولا ثلاثٌ هُنَّ عَيشُ الدَّهر الماءُ والنّومُ وأمُّ عمرو لَمَا خَشِيتُ من مضيقِ القَبْرِ قال: وقال الأحنف: أربعٌ من كُنَّ فيه كان كامِلاً ومن تعلَّق بخَصلةٍ منهنَّ كان مِن صالحي قومه: دينٌ يُرشدُه أو عَقلٌ يُسَدِّدُه أو حسب يصونُه أو حياءٌ يَقناه وقال: المؤمن بين أربع: مؤمنٌ يحسده ومنافق يُبغضه وكافر يجاهده وشيطان يَفتِنه وأربع ليس أقلُّ منهن: اليقين والعدل ودرهمٌ حلال وأخٌ في اللَّه وقال الحسن بن عليّ: مَن أتانا لم يَعْدَم خصلةً من أربع: آية محكمةً أو قضيَّة عادلة أو أخا مستفاداً أو مجالسةَ العلماء وقالوا: مَن أُعطِيَ أربعاً لم يُمْنَعْ أربعاً: مَن أُعطِيَ الشُّكرَ لم يُمنَع المَزِيد ومن أُعطي التَّوبةَ لم يُمنع القَبول ومَن أُعطِيَ الاستخارة لم يُمنع الخِيَرة ومن أُعطيَ المشورةَ لم يَعْدَم الصَّواب وقال أبو ذَرٍّ الغِفَاري: كان الناس ورقاً لا شوكَ فيه فصاروا شوكاً لا ورقَ فيه وقالوا: تعامَلَ النّاس بالدِّين حتى ذهبَ الدِّين وبالحياءِ حتَّى ذهب الحياء وبالمروءة حتّى ذهبت المروءة وقد صاروا إلى الرّغبة والرهبة وأَحْرِ بهما أن يذهبا وقال بعضهم: دَعَا رجلٌ عليَّ بن أبي طالبٍ رضي اللَّه عنه إلى طعام فقال: نأتيك على أن لا تتكّلفَ لنا ما ليس عندك ولا تدّخر عَنَّا ما عِندَك وقال الحُضَين بن المنذر: من الطويل كلُّ خفيف الشَّأن يسعى مشمِّراً إذا فتح البوّاب بابك إصْبَعا ونحن الجُلوسُ الماكثون توقُّراً حياءً إلى أن يُفتحَ البابُ أجمعا ونَفْسَك أكرمْها فإنّك إن تَهُنْ عليك فلن تلقى لها الدَّهرَ مُكرِما اعتذر ابنُ عونٍ إلى إبراهيمَ النَّخَعي فقال له: اسكت معذوراً إن الاعتذارَ يخالطه الكذب أبو عمرو الزَّعفراني قال: كان عَمرو بن عُبيد عند حفص بن سالم فلم يسأله أحدٌ من حَشَمه في ذلك اليوم شيئاً إلاَّ قالَ: لا فقال له عمرو: أقِلَّ من قولِ لا فإنّه ليس في الجنة وإنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا سُئِل ما يَجِدُ أعطى وإذا سئل ما لايَجد قال: يَصْنَعُ اللَّه وقال عمر بن الخطاب رحمه اللَّه: أكثروا لهُنَّ من قول لا فإن قول نعم يضرِّيهنَّ على المسألة وإنَّما خصَّ عُمَر بذلك النِّساء وقال بعضهم: ذمَّ رجلٌ الدّنيا عند علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه فقال عليٌّ: الدُّنيا دَارُ صدقٍ لمن صَدَقها ودارُ نجاةٍ لمن فَهِمَ عنها ودار غِنىً لمن تزوّد منها ومَهِبطُ وَحْي اللَّه ومُصلَّى ملائكته ومَسجِد أنبيائه ومَتجرُ أوليائه رَبِحُوا فيها الرّحمة واكتسبوا فيها الجنّة فمن ذا الذي يذمُّها وقد آذنت بِبَيْنها ونادت بِفراقها وشَبَّهتْ بسُرورها السرورَ وببلائها البلاء ترغيباً وترهيباً فيا أيُّها الذامُّ للدُّنيا المعلِّلُ نفسَه متى خَدَعتك الدنيا أم متى استذَمَّت إليك أبمصارع آبائك في البِلَى أم بمَضاجِع أمَّهاتك في الثرى كم مَرَّضَتْ بيديك وكم علّلْتَ بكفَّيك تطلُب له الشّفاء وتَستَوصِف له الأطبّاء غداةَ لا يُغْني عنه دواؤك ولا ينفعه بكاؤك ولا تُنْجِيهِ شفقتُك ولا تشفع فيه طَلِبَتُك وقال عُمَر رحمه اللَّه: وقال بعضهم: مات ابن لبعض العظماء فعزّاه بعضهم فقال: عِش أيها الملك العظيمُ سعيداً ولا أراك اللَّه بَعدَ مصيبتك ما ينسيكَها وقال: لمَّا توفّي معاويةُ وجلس ابنُه يزيد دخل عليه عَطاءُ بن أبي صيفِيّ الثّقَفيُّ فقال: يا أمير المؤمنين أصبحتَ قد رُزِيت خليفةَ اللّه وأُعطِيتَ خلافةَ اللَّه وقد قَضَى معاويةُ نَحْبَه فغفر اللَّه ذنبه وقد أُعطيتَ بعده الرِّياسة ووَلِيتَ السّياسة فاحتَسِب عند اللَّه أعظمَ الرَّزِيَّة واشكُرْه على أفضل العطيّة ولما تُوفِّي عبدُ الملك وجلس ابنُه الوليد دخَلَ عليه النّاس وهم لا يَدرون: أيهنِّئونه أم يعزّونه فأقبل غَيلانُ بن سَلَمة الثَّقَفيُّ فسلّمَ عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين أصبحتَ قد رزِيتَ خير الآباء وسُمِّيتَ بخير الأسماء وأٌعطيت أفضلَ الأشياء فعظّمَ اللَّه لكَ على الرزيّة الصَّبْر وأعطاك في ذلك نوافلَ الأجر وأعانَك على حُسن الوِلاية والشكر ثم قَضَى لعبد الملك بخير القضيّة وأنزله بأفضل المنازل المرضِيَّة وأعانَك مِن بعده على الرعيَّة فقال له الوليد: من أنت فانْتَسَبَ له قال: في كم أنت قال: في مائة دينار فألَحَقه بأهل الشَّرف ولما تُوفِّي المنصور دخل ابنُ عُتْبَة مع الخطباء على المهديّ فسلّم ثم قال: آجَرَ اللَّهُ أميرَ المؤمنين على أمير المؤمنين قبلَه وبارك لأمير المؤمنين فيما خلّفه له أميرُ المؤمنين بعدَه فلا مصيبةَ أعظَمُ مِن فَقْد أميرِ المؤمنين ولا عُقْبَى أفضلُ من وِراثة مَقامِ أمير المؤمنين فاقبَلْ يا أمير المؤمنين من اللَّه أفضَل العطيّة واحتسبْ عنده أعظَمَ الزريّة وكتب مَيمون بن مهْران إلى عمرَ بن عبد العزيز يعزِّيه عن ابنهِ عبد الملك فكتب إليه عمر: كتبتَ إليَّ تُعزِّيني عن ابنِي عبدِ الملك وهو أمرٌ لم أزَلْ أنتظرُه فلمَّا وقَعَ لم أنكرْه وقال الشاعر: من الطويل تعزَّيْتُ عن أَوفَى بغَيلانَ بعدَه عزاءً وجَفْنُ العين بالماء مُترَعُ ولم تُنسِنِي أوفَى المصيباتُ بعدَه ولكنَّ نَكْءَ القَرح بالقَرح أوجَعُ وقال آخر: كان شيخ يأتي ابنَ المقفّع فألحّ عليه يسأله الغَدَاء عنده وفي ذلك يقول: إنَّك تظنُّ أنِّي أتكلّف لك شيئاً لا واللَّه لا أُقدِّم إليك إلاّ ما عندي فلما أتاه إذَا ليس عنده إلاّ كِسرةٌ يابسة ومِلحٌ جَرِيش ووقف سائلٌ بالباب فقال له: بُورِك فيك فلمّا لم يذهب قال: واللّه لئن خرَجْتُ إليك لأدُقّنَّ ساقيك فقال ابن المقفّع للسَّائل: إنّك لو تعرِفُ مِن صدق وعيده مثلَ الذي أعرِفُ مِن وَعْده لم تُرَادَّه كلمةً ولم تَقِفْ طَرفَةً قال: وكان يقال: أوَّل العلم: الصَّمت والثاني: الاستماع والثالث: الحفْظ والرابع: العمل به والخامس: نَشْره وقال آخر: كان يقال: لا وَحْشة أوحَشُ من عُجبٍ ولا ظَهيرَ أعون من مشورة ولا فقْرَ أشدُّ من عدم العقل وقال مُوَرِّقٌ العِجْلي: ضاحكٌ معترِفٌ بذنبه خيرٌ من باكٍ مُدِلٍّ على ربّه وقال: خير من العُجْب بالطاعة ألاّ تأتيَ بالطاعة وقال شَبيبٌ لأبي جعفر: إنّ اللّه لم يجعل فوقَكَ أحداً فلا تجعلنَّ فوق شُكرك شكراً وقال آخَر لأبي جعفرٍ في أوّلِ رَكْبةٍ ركبها: إن اللَّه قَدْ رأى ألاَ يجعل أحداً فوقك فَرَ نفْسَك أهلاً ألا يكونَ أحدٌ أطوَعَ للَّه منك وسِفهَ رجلٌ على ابنٍ له فقال له ابنُه: واللَّه لأَنا أشْبَه بك منك بأبيك ولأنت أشدُّ تحصيناً لأمي من أبيك لأمِّك وقال عمرو بن عُبيد لأبي جعفر: إنّ اللَّه وَهَب لك الدُّنيا بأسْرِها فاشتَرِ نفْسك منه ببعضها وقال الأحنف: ثلاثة لا أناةَ فيهنَّ عندي قيل: وما هُنَّ يا أبا بحر قال: المبادرة بالعمل الصالح وإخراجُ ميِّتك وأن تنكح الكفءَ أيِّمَك وكان يقول: لأَفعَى تَحَكَّكُ في ناحيةِ بيتي أحبُّ إليّ من أيِّم رددتُ عنها كُفْئاً وكان يقال: ما بَعد الصَّواب إلاّ الخطأ وما بعد منْعهنَّ من الأكفاء إلاّ بذلُهنّ للسِّفلة والغَوغاء وكان يقال: لا تطلُبوا الحاجة إلى ثلاثة: إلى كذوب فإنّه يُقَرِّبُها وإن كانت بعيدة ويباعدها وإن كانت قريبة ولا إلى أحمَق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرُّك ولا إلى رجلٍ له إلى صاحب الحاجة حاجة فإنَه يجعل حاجتَك وِقايةً لحاجته وكان الأحنف بن قيس يقول: لا مُروءة لكَذُوب ولا سُؤدد لبخيل ولا وَرَعَ لِسيِّئِ الخلق وقال الشَّعبي: عليك بالصِّدق حيثُ تُرى أنّه يضرُّك فإنّه ينفعك واجتنب الكذب في موضعٍ ترى أنّه ينفعُك فإنّه يضرّك وقالوا: لا تصرِفْ حاجتك إلى مَن معيشته من رؤوس المكاييل وألسنة الموازين وقالوا: تفرَّدَ اللَّه عَزَّ وجل بالكمال ولم يبرِّئ أحداً من النُّقصان قالوا: وقال عامر بن الظَّرِب العَدْوانيّ: يا مَعْشَر عَدْوان إن الخيرَ ألوفٌ عَزوف ولن يُفارق صاحبَه حتّى يفارقَه وإنِّي لم أكنْ حليماً حتّى اتّبعت الحلماء ولم أكن سيّدَكم حتّى تعبَّدْت لكم وقال الأحنف: لأَنْ أُدْعَى مِن بعيد أحبُّ إليّ من أن أُقْصَى من قريب وكان يقال: إيّاك وصدرَ المجلس وإنْ صَدَّرَك صاحبُه فإنّه مجلسُ قُلْعةٍ قال: وقال زيادُ: ما أَتَيْت مجلساً قطُّ إلاّ تركتُ منه ما لو أخذتُه كان لي وتركُ مالي أحبُّ إليَّ مِن أخْذ ما ليس لي وقال الأحنف: ما كشَّفتُ أحداً عن حالي عنده إلاّ وجدتُها دونَ ما كنتُ أظنُّ قال: وأثْنَى رجلٌ على عليّ بن أبي طالب فأفرط وكان عليٌّ له متَّهِماً فقال: أنا دون ما تقول وفوقَ ما في نفسِك قال: وكان يقال: خمس خصال تكونُ في الجاهل: الغضَب في غير غضب والكلام في غير نَفْع والعطيَّة في غير موضع والثقةُ بكلّ أحد وألاّ يعرفَ صديقَه من عدوّه وأثنَى أعرابيٌّ على رجل فقال: إنْ خَيرك لسريح وإن مَنْعَك لمُرِيح وإنّ رُفدك لربيح وقال سَعيد بن سَلْم كنت والياً بأَرمِينيَة فغَبَر أبو دُهْمان الغلاَّبي عَلَى بابِي أيّاماً فلما وصل إليّ مََثَلَ بين يديَّ قائِماً بين السِّماطَين وقال: واللَّه إني لأَعرفُ أقواماً لو علموا أنّ سَفّ التُرابِ يقيم من أَوَد أصلابهم لجعلوه مُسْكةً لأرْماقِهِم إيثاراً للتنزُّه عَن عيش رقيق الحواشي أمَا واللَّه إنِّي لَبعيدُ الوَثْبة بطيءُ العَطفة وإنَّه واللَّه ما يَثْنيني عليك إلاّ مِثلُ ما يصرِفُني عنك ولأَنْ أكون مُقِلاًّ مقرَّباً أحبُّ إليَّ مِن أن أكون مُكْثِراً مُبعَداً واللَّهِ مانسأل عملاً لا نَضْبِطه ولامالاً إلاّ ونحن أكثَرُ منه وهذا الأمرُ الذي صار إليك وفي يديك قد كان في يَدَيْ غيرِك فأمْسَوا واللَّه حديثاً إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شرّاً فشرّ فتحبَّبْ إلى عباد اللَّه بحُسْن البِشْر ولِين الجانب فإنّ حبَّ عبادِ اللَّه موصولٌ بحبِّ اللَّه وبُغضَهم موصولٌ ببُغض اللَّه لأنَّهم شهداءُ اللَّه على خَلْقه ورُقَباؤه على من عاج عن سبيله ودخل عُتْبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عَلَى خالد بن عبد اللَّه القَسريّ بعد حجابٍ شديد وكان عُتبةُ سخيّاً فقال خالدٌ يعرِّض به: إنَّ هاهنا رجالاً يَدَّانُون في أموالهم فإذا فَنيِت ادّانوا في أعراضهم فعلم القُرَشيُّ أنّه يعرِّض به فقال القرشي: أصْلَحَ اللَّهُ الأمير إن رجالاً من الرِّجال تكون أموالُهم أكثَرَ من مُروءاتهم فأولئك تَبقى لهم أموالُهم ورجالاً تكون مروءاتُهم أكثَرَ من أموالهم فإذا نَفِدَت ادَّانُوا عَلَى سَعِة ما عندَ اللَّه فخجل خالدٌ وقال: إنّك لمِنهم ما علمت قال: وقيل لعبد اللَّه بن يزيد بن أسد بن كُرْز: هلاّ أجبتَ أمير المؤمنين إذْ سألك عن مالك فقال: إنّه كان لا يعدو إحدى حالتين: إن استكثَرَه حسَدني وإن استقلّه حَقَرني أبو الحسن قال: وعَظَ عُروةُ بَنيه فقال: تعلمُوا العلم فإنّكم إن تكونوا صغارَ قومٍ فعسى أن تكونوا كبارَ قومٍ آخرين ثم قال: النّاس بأزمانهم أشبَهُ منهم بآبائهم وإذا رأيتم من رَجُل خَلّة فاحْذروه واعلموا أنّ عنده لها أَخَوات قال: وقال رجلٌ لرجل: هَبْ لي دُرِيهماً قال: أتصغِّره لقد صغَّرت عظيماً الدّرهم عُشر العَشرَة والعَشَرة عُشْر المائة والمائة عُشر الألْف والألْف عُشر الدِّيَة قال الأصمعيّ: خرجَتْ بالدارميّ قَرحةٌ في جوفه فبَزَقَ بَزقةً خضراء فقيل له: قد بَرَأَتْ إذْ قد بَزَقْتَها خضْراء قال: واللَّه لو لم تَبْقَ في الدُّنيا زمرُّدةٌ خضراء إلاّ بزقتُها لمَا نجوتُ مرّ الوليد بنُ عبدِ الملك بمعلِّم صِبيان فرأى جاريةً فقال: ويلكَ ما لهذه الجارية فقال: أعلِّمُها القرآن قال: فليكن الذي يعلِّمُها أصغَرَ منها. إسحاق بن أيُّوب قال: هرب الوليدُ بن عبد الملك من الطّاعون فقال له رجلٌ: يا أمير المؤمنين إنّ اللَّه يقول: " قلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الفِرَارُ إنْ فَرَرْتُمْ مِنَ المَوْتِ أَوِ القَتْل وَإذاً لا تُمَتَّعُونَ إلاّ قَلِيلاً " الأحزاب: 16 قال: ذلك القليلَ نُريده وهرب رجلٌ من الطّاعون إلى النَّجَف أيَّامَ شُرَيح فكتب إليه شُريح: أمَّا بعد فإنَّ الفِرار لن يُبعدَ أجَلاً ولن يكثِّر رِزقاً وإن المُقامَ لن يقرِّب أجلاً ولن يقلِّل رزقاً وإنَّ مَنْ بالنَّجَف مِنَ ذي قُدرةٍ لقريب. قالوا: ودخل على الوليد فتىً من بني مخزوم فقال له: زوّجْني ابنتَك فقال له: هل قرأْت القرآن قال: لا قال: أَدْنُوه منِّي فأدنَوه فضَرَب عمامتَه بقضِيبٍ كان في يده وقَرَعَ رأسَه به قَرَعات ثمَّ قال لرجل: ضُمَّه إليك فإذا قرأَ القرآنَ زوَّجنْاه ولما استَعمل يزيدَ بن أبي مسلمٍ بعد الحجَّاج قال: أنا كمن سَقَط منه درهمٌ فأصابَ ديناراً وقال ليزيدَ بن أبي مُسْلم: قال أبِي للحجَّاج: إنَّما أنت جلدةُ ما بين عينَيّ قال الوليد: يا يزيد وأنا أقول: أنت جلدةُ وجهي كلِّه ومع هذا إنّه صعِد المنبر فقال: عليُّ بن أبي طالبٍ لُصٌّ ابنُ لُصّ صُبَّ عليه شُؤبوبُ عذاب فقال أعرابيٌّ كان تحتَ المنبر: ما يقول أميركم هذا وفي قوله لُصٌّ ابنُ لُصٍّ أعجوبتان: إحداهما رَمْيُه عليَّ بن أبي طالب أنَّه لِصّ والأخرى أنَّه بلغ مِن جَهله ما لم يَجهلْه أحد أنَّه ضم اللام من لِصّ. بكر بن عبد العزيز الدِّمشقيّ قال: سمعت الوليدَ بن عبد الملك على المِنبر حين ولِيَ الخِلاَفة وهو يقول: إذا حَدَّثْتُكم فكذَبْتكم فلا طاعَةَ لي عليكم وإذا وعدتكم فأخلفتكم فلا طاعةَ لي عليكم وإذا أغزيتْكم فجمَّرتكم فلا طاعة لي عليكم فيقول مثلَ هذا الكلام ثمّ يقول لأبيه: يا أمير المؤمنين اقتلْ أبي فُدَيك وقال مرَّة أخرى: يا غلامُ رُدَّ الفَرَسانِ الصَّادَّان عن المَيدان قال: وقال عبد الملك: أضَرَّ بالوليد حبُّنا له فلم نوجِّهْه إلى البادية قال: ولَحَن الوليدُ على المنبر فقال الكَرَوَّس: لا واللَّه إن رأيتُه على هذه الأعواد قطُّ فأمكنني أن أملأَ عيني منه مِن كثرته في وصلّى يوماً الغداةَ فقرأ السُّورة التي تُذكَر فيها الحاقّة فقال: يا ليتُها كانت القاضِيَة فبلغَتْ عمرَ بنَ عبدِ العزيز فقال: أمَا إنَّه إنْ كان قالها إنّه لأحَدُ الأَحَدِين قالوا: وكان الوليد ومحمد ابنا عبد الملك لحّانَين ولم يكن في ولده أفصحُ من هشام ومَسْلَمة قال: وقال صاحب الحديث الأوّل: أخبرني أبي عن إسحاق بن قَبِيصة قال: كانت كتبُ الوليد تأتينا ملحونة وكذلك كُتبُ محمَّد فقلت لمولَى محمّد: ما بالُ كُتبِكم تأتينا ملحونة وأنتم أهلُ الخِلافة فأخبره المولَى بقولي فإذا كتابٌ قد وَرَد عليَّ: أمَّا بعدُ فقد أخبرني فلانٌ بما قلتَ وما أحسبك تشكُّ أنّ قريشاً أفصح من الأشْعرِين والسّلام ومن بني صَرِيم: الصُّدَيُّ بن الخَلَق وفَدَ به الحجّاج على الوليد بن عبد الملك فقال له: ممّن أنت قال: من بني صَريم قال له: ما اسمُك قال: الصُّدَيُّ ابن الخَلَق قال: دُعَّا في عنقه خارجيٌّ خبيث هذا يدلُّ على أنَّ عامّةَ بني صَرِيم كانوا خوارج وكان منهم البُرَك الصّرِيميّ واسمه الحجّاج وهو الذي ضَرَب معاويةَ بالسيف وله حديث والخَزْرج بن الصُّدَيّ ابن الخَلَق كان خطيباً وقال الشّاعر في بني صَرِيم: من الوافر أصَلِّي حيثُ تدرِكُني صلاتي وبئس الدِّينُ دين بني صَرِيم قياماً يطعُنون على مَعَدٍّ وكُّلهمُ على دين الخَطِيم والخَطيم باهليٌّ قال الأصمعيُّ وأبو الحسن: دخل على الوليد بن عبد الملك شيخانِ فقال أحدهُما: نَجِدُك تملك عشرين سنة وقال الآخر: كذبتَ بل نجده يملك ستِّين سنة قال: فقال الوليد: ما الذي قال هذا لائطٌ بصَفَرِي ولا ما قال هذا يغُرُّ مثلي واللَّهِ لأجمعنَّ المالَ جمعَ من يعيش أبداً ولأفَرِّقنَّه تفريقَ مَن يموت غداً وخطب الوليد فقال: إنَّ أمير المؤمنين عبدَ الملك كان يقول: إنّ الحجَّاج جلدةُ ما بين عينَيَّ ألاَ وإنّه جلدة وجهي كُلِّه آخر الجزء الأول من كتاب البيان والتبيُّن ويتلوه في النصف الثاني:
|